في بلد لا يحترم كباره…الحاجة فاطمة “بائعة المي” مثال المرأة المكافحة حيث تبيع عبوات المياه على أحد أرصفة صيدا!!
تحت عنوان “”بائعة المي” في صيدا: من يروي عطشها؟” كتب محمد دهشة في نداء الوطن:
الحاجة فاطمة الطاهرة تعاني شظف العيش، ولكنها تُعتبر مِثال المرأة الصيداوية المتعفّفة والمكافحة من أجل تأمين لقمتها بكرامة وبعيداً من ذلّ السؤال، في خضمّ أزمة معيشية غير مسبوقة. تجلس لساعات طويلة كلّ يوم على الرصيف بين قلعة صيدا البحرية و”خان الافرنج” في صيدا، وتضع على طاولة امامها عشرات عبوات المياه بهدف بيعها للمارة وركّاب السيارات، كسباً لقوتها وقوت عائلتها.
تشرح الطاهرة (63 عاماً) لـ”نداء الوطن” أنّ ظروف الحياة الصعبة أجبرتها على العمل بعد كلّ هذه السنوات، وتقول: “زوجي يعاني من وجع دائم في ظهره ولم يعد قادراً على العمل، كان يجمع الخردة ويبيعها يومياً لتوفير المال ومتطلّبات العائلة. ضاقت الدنيا في وجهنا كثيراً، الأدوية وايجار المنزل، والمصاريف والطعام والشراب، كلّها أعباء ينوء بحملها العاملون فكيف بالعاطلين؟ فوجدت بيع المياه طريقتي لذلك”.
لا تخجل الطاهرة “أمّ حسن” من عملها، بل تفتخر كونها سيّدة وتسعى بالحلال الى ستر عائلتها، “ولكن للأسف هذا العمل لا يكفي، قنّينة المياه بألف ليرة والربح منها قليل جداً، بينما كلّ شيء “غلا وكوى” امام الارتفاع الجنوني للدولار وانهيار قيمة الليرة اللبنانية والضائقة المعيشية والإقتصادية الخانقة، فيما المسؤولون غائبون ولا يسمعون عذابات الفقراء ونداءاتهم”. في منزلها المتواضع في صيدا القديمة، تشكو “أم حسن” من تلف البراد الذي عادة ما تخزّن فيه الثلج من أجل الحفاظ على برودة قناني المياه صيفاً، وتؤكد عجزها عن شراء واحد جديد “على الأرض يا حكم”، في اشارة الى عدم وجود أي قرش معها، وتؤكّد: “بالكاد نستطيع شراء الأكل والشراب وقد ننام في كثير من الأحيان بلا طعام”.
مع طول أمد الأزمة الإقتصادية وتفشّي جائحة “كورونا”، فقدت اكثرية العائلات الصيداوية ما تبقّى من مدخراتها، بعضها اضطرّ الى الإستدانة، أو بيع الحلي أو أثاث المنزل، بعد الإستغناء عن غالبية الضروريات، لكنّها حافظت على تعفّفها ولم تمدّ اليد، فيما تقديمات الجمعيات الأهلية والإجتماعية والمبادرات الفردية والجماعية لا تسدّ رمق الجميع وتبقى موقّتة”.
ويؤكّد أمين سرّ “تجمّع المؤسسات الأهلية” في منطقة صيدا ماجد حمتو لـ”نداء الوطن” أنّ دور الجمعيات الأهلية على إختلافها هو مكمّل، وليس بديلاً عن مؤسسات الدولة الحاضنة في الرعاية الإجتماعية والصحّية، مشيراً الى أنّ “الإنهيار المالي الاقتصادي والحرمان من سحب الأموال من المصارف، ناهيك عن تفاقم الأزمة المعيشية أثّرت جميعها على عمل الجمعيات، ونتوقّع المزيد من الفقر والعوز والبطالة مع الحديث عن رفع الدعم عن المواد الأساسية، وندعو الدولة الى تحمّل مسؤولياتها كاملة، ولن نألو جهداً في مساعدة العائلات الفقيرة والمتعفّفة قدر المستطاع ووِفق الإمكانيات المادية، وهناك لوائح يتم الأمر على أساسها”.
وتتميّز مدينة صيدا بظاهرة التكافل الإجتماعي، وبتضافر جهود قواها السياسية وفاعلياتها والبلدية والمؤسّسات الأهلية الخيرية والكشفية، لمواجهة هذه الأزمة المعيشية غير المسبوقة، بيد واحدة، وتمريرها بأقلّ الأضرار الممكنة، وِفق ما أكّد رئيس بلديتها محمد السعودي مراراً.. مع بدء تفشّي “كورونا” والتعبئة العامة والحجر المنزلي، وإقفال المؤسّسات التي حرمت الكثير من العمال كسب قوت يومهم.