جدل في لبنان.. أزمة خانقة وأماكن السهر تعج بالرواد؟!
مع انطلاقة موسم الصيف في لبنان، بدأت مظاهر الحياة تعود تدريجياً إلى عدد من المناطق حيث أماكن السهر والمطاعم تعجّ بروّادها، في ظاهرة لا تعكس حقيقة الأرقام الاقتصادية “المُخيفة” في بلد حذّر البنك الدولي من أنه غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي.
ومع أن التعافي التدريجي للبنان من كورونا بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية فرض إيقاعه على حركة المطاعم والملاهي الليلة والفنادق والمنتجعات التي تشهد زحمة كبيرة، غير أن الأسعار الخيالية للدخول إليها نتيجةً ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة (لامس عتبة 15000 للدولار الواحد في السوق السوداء) يطرح علامات استفهام عديدة حول حقيقة الأرقام الاقتصادية وهل تعكس فعلاً واقع اللبناني الذي باتت معاناته المعيشية اليومية تتصدّر العناوين العالمية.
مظاهر تغشّ
تشهد معظم المطاعم زحمة كبيرة على رغم أسعارها الخيالية، خصوصاً لمن دخله بالليرة اللبنانية، ومن النادر إيجاد طاولة قبل تأكيد الحجز عليها.
غير أن هذه المظاهر “تغشّ” بحسب قول مايا بخعازي، أمينة سر نقابة المطاعم في لبنان لـ”العربية.نت”، موضحة “أن عدداً من المطاعم وليس أكثريتها تشهد إقبالاً فقط في نهاية الأسبوع في حين أنها تُعاني من قلّة الزبائن خلال أيام الأسبوع العادية، كما أن فاتورة اللبناني تراجعت كثيراً بسبب تدنّي قدرته الشرائية لتقتصر غالباً على طلب النرجيلة مع كأس عصير بعدما كان يطلب أطباقاً ومشروبات عديدة”.
ارتفاع أسعار المواد التشغيلية
كما أوضحت “أن أسعار المواد التشغيلية للمطاعم (مثل موتورات الكهرباء) ارتفعت بشكل كبير ما انعكس على أسعار الدخول، لكن رغم ذلك نحاول قدر المستطاع عدم ربط أسعارنا بسعر صرف الدولار في السوق السوداء وذلك من أجل المحافظة على استمرارية هذه القطاع الحيوي”.
وأملت بخعازي “أن يعوّض هذا الموسم جزءاً من الخسائر التي تكبّدها القطاع في السنتين الأخيرتين، علماً أن أكثر من 500 مؤسسة أقفلت أبوابها بين العامين 2019 و2020 وأخرى في طريقها للإقفال”.
وكما في المطاعم كذلك هو الحال في الفنادق والشاليهات، حيث هناك حجوزات وإشغال بنسبة عالية في الشقق، لاسيما خارج العاصمة بيروت.
قفص ذهبي
ويشرح نقيب الفنادق بيار الأشقر لـ”العربية.نت” “أن نحو 700 ألف لبناني ممن كانوا يصنّفون طبقة وسطى كانوا يسافرون سنوياً خلال فصل الصيف ضمن رحلات تُنظّمها مكاتب سفر خاصة، لكن نتيجة شحّ الدولار وتراجع قدرتهم الشرائية فضّلوا السياحة داخل لبنان، بالإضافة إلى 450 ألف لبناني يعملون في دول الخليج و200 ألف في دول إفريقيا يأتون سنوياً إلى لبنان”.
وقال “هؤلاء يُشكّلون أكثر من مليون ونصف لبناني باتوا “أسيري” القفص الذهبي اللبناني وأصبحوا سائحين في بلدهم يحملون في جيوبهم الدولار الذي بات عملة نادرة في لبنان”.
لا إشغال فندقياً في بيروت
أما الإشغال الفندقي فيختلف بين منطقة وأخرى. وبحسب الأشقر الوضع في بيروت لا يُشبه مناطق أخرى. ففي العاصمة هناك 2000 غرفة مُقفلة لسببين، الأوّل إقفال نهائي نتيجة الأزمة الاقتصادية والثاني بسبب انفجار المرفأ في 4 أغسطس، حيث إن أعمال الترميم لم تنتهِ، لأن شركات التأمين تتأخّر بالدفع”.
وأضاف “أما الإشغال الفندقي، وتحديداً في المناطق الجبلية فجيّد، لكن يقتصر على نهاية الأسبوع فقط”.
وإذا كان العدد الأكبر من السيّاح هم مغتربون لبنانيون أتوا من دول الخليج وإفريقيا، إلا أن عدداً لا بأس به من السيّاح العرب وجد من لبنان وجهة سياحية جيّدة مستفيدين من تدنّي الأسعار بسبب تدهور سعر صرف الليرة مقابل الليرة.
سيّاح عرب
ولفت الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”العربية.نت” “أن العراقيين يحتلّون المرتبة الأولى في السيّاح العرب، حيث يزور لبنان سنوياً أكثر من 700 ألف عراقي يليهم الأردنيون ثم المصريون”.
ومع أن الأرقام المذكورة من المعنيين تؤشر إلى أن الموسم السياحي في لبنان “جيّد” إلى حدّ ما، غير أن أرقام الفقر والعوز الصادرة عن الجهات الرسمية تعكس حقيقة أخرى.
فهل اللبنانيون في رفاه ورخاء أم أنهم جائعون؟
للإجابة عن هذا السؤال أوضح أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرف على مرصد الأزمة، ناصر ياسين لـ “العربية.نت” أن سلوكيات اللبنانيين خلال هذه الأزمة ترتبط بنظرية “قلم الحُمرة”، حيث إن الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا من أكثر المتأثرين بالمشاكل المالية، يحجمون على الإنفاق على سلع أساسية، ويقولون إننا طالما لن نستطيع شراء المنزل أو السيارة التي كنا نحلم بها، وبما أن العطلة الصيفية المقررة في أحد المنتجعات ألغيت، فإن تأمين الغذاء مع حدّ أدنى من الترفيه يُصبح أولوية، وهو ما يُطلق عليه نظرية “قلم حُمرة”، أي أن عدم القدرة على شراء معطف ثمين لا يمنعنا من شراء أحمر الشفاه”.
وتأكيداً على نظرية “قلُم الحُمرة”، قالت رلى، وهي أم لطفلين ومعلّمة مدرسة لـ”العربية.نت” “شراء الألبسة والأجهزة الخلوية الحديثة والسفر باتت من “الكماليات”، لذلك أقصد المطاعم كي أشعر بحدّ أدنى من العيش على رغم أن الأسعار باتت خيالية”.
زيارة المطعم شهرياً
ومع أن “مشوار” المطعم والمقاهي بات أسبوعياً بسبب الأوضاع الاقتصادية بعدما كان بشكل شبه يومي منذ سنتين، إلا أن رلى التي تعمل مُدرّسة تصرّ على الخروج مع أصحابها ولو مرّة في الشهر، لأن الأوضاع المعيشية والاقتصادية الضاغطة في لبنان تجعلنا نُفتّش عن متنفّس ولو بزيارة مطعم”.
ولم تقتصر تداعيات الأزمة عليها، بل انسحبت إلى حياة طفليها. وتقول رلى التي تسكن في إحدى المدن “كنت أصطحبهم نهاية الأسبوع إلى المطاعم والمجمّعات التجارية وكنت أشتري لهم كل ما يطلبانه، لكن اليوم الوضع تغيّر، لأنني لم أعد قادرة على تأمين ذلك”.
“إلى جانب نظرية “قلم الحُمرة”، تحدّث أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية ببيروت عن تفسيرين آخرين لسلوكيات اللبناني، الأوّل مرتبط بالعملة الخضراء، حيث إن قسماً من اللبنانيين يتقاضى راتباً بالدولار ما يسمح له بالاستفادة من تدنّي الأسعار، والثاني له علاقة بتداعيات جائحة كورونا والحجر المنزلي الذي فُرض على اللبنانيين لأكثر من سنة”.
أزمات متلاحقة
كما اعتبر ياسين “أن الأزمات المتلاحقة التي أصابت اللبنانيين، بدءاً بالانتفاضة الشعبية التي بدأت في أكتوبر 2019 وما نتج عنها من إغلاق طرقات وأعمال شغب، مروراً بالأزمة الاقتصادية والمالية وانهيار الليرة مقابل الدولار مع ما خلّفه ذلك من تراجع في القدرة الشرائية وإرتفاع جنوني بأسعار المواد الاستهلاكية، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، كان لها آثار نفسية كبيرة على اللبنانيين، وجعلتهم يعيشون في ضغوط يومية”.
غير أن هذه الضغوطات النفسية لن تولّد انفجاراً اجتماعياً برأي ياسين، لأن هاجس اللبنانيين بات الحفاظ على أمنه الغذائي والصحي، في حين أن الشعوب التي تُحدث تغييراً تكون في أعلى سلّم حاجاتها اليومية”.
إلا أنه توقّع ارتفاع معدّلات الإشكالات أمام محطات الوقود والصيدليات والأفران، لأن شعار اللبنانيين بات “يا رب نفسي”.
المصدر : جوني فخري – العربية