من نهاريا الى جرمانا .. تاريخ حافل بالبطولات
بقلم: فاطمة دقماق
الثاني والعشرين من نيسان من العام 1979، تاريخ مفصلي بدأت معه رحلة الأسر التي سطّرت مع أعوامها مجداً أزلياً لم تمحه سياط السجان، ولم تُخفته غياهب الزنازين.. وكان القنطار عميد الأسرى والمحررين. نهاريا كانت شاهداً حياً على رجلٍ عربيًّ استقى من العرب أمجادهم البطولية، فابن السادسة عشر من العمر لم يكن كأترابه يلهو بملذات الشباب، إنما كان مقاوماً صاحب قضية دفع ثمناً لها ثلاثين عاماً من ينبوع سنينه. في ذاك التاريخ قاد القنطار زورقه المطاطي مع ثلاثة من أفراد جبهة التحرير الفلسطينية نحو نهاريا حيث نفذ عمليته الشهيرة باختطاف اليهودي الإسرائيلي داني هاران وابنته، والتي على أثرها تم اعتقاله حتى تاريخ تحريره في 16 تموز 2008 بمقتضى عملية تبادل بين إسرائيل وحزب الله جاءت نتيجة حرب تموز التي كان من بين أهم أسبابها وهي التي عنونت بالوعد الصادق، أي الوفي بالوعد وتحرير القنطار. ذلك المناضل الذي لم تثني عزمه سياط السجان وقضبان الزنازين، فالقنطار لم تذبل سنيّ حياته في السجن بل إنه حوّل الضعف قوة. فخلال مكوثه في السجن الإسرائيلي سُجل القنطار كطالب في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية بتل أبيب والتي تستخدم طريقة التعليم من بعد. وفي أيلول 1998 حاز القنطار درجة بكالوريوس في الأدبيات والعلوم الاجتماعية.
من أسير الى محرر، لم تنتهي رحلة الجهاد والنضال، بل استمرت لكن هذه المرة تحت لواء حزب الله وليس كجندي عادي وإنما كقائد استراتيجي في حزب الله، فكانت تحت إشرافه عمليات حزب الله في الجولان، وكان المسؤول عن تحضير جبهة الجولان وتعبئة عناصر جديدة من الشعب السوري في الجولان تحت ألوية المقاومة ضد العدو الإسرائيلي. من هنا فلا غرابة أن يكون القنطار هدفاً أولياً لأيادي الغدر الإسرائيلية منذ تحريره. فكانت جرمانا السورية محطة القنطار الأخيرة في النضال ضد المشروع الصهيوني. واللافت في استشهاد القنطار أن لبناني المولد وفلسطيني الأسر ارتوت من دمائه التراب السورية، وكأن القنطار ليس ابن لبنان وإنما إبن بلاد الشام التي قامت في تلك الدول الثلاث، وهذه اللفتة وكأنما هي دعوة الى الوحدة العربية بأسلوب راقٍ وسامٍ. بعد عمليات استخباراتية دامت عدة سنين تمكنت اسرائيل من نيل مرادها بقتل جسد القنطار ولكنها حتماً لم تنل من روح وفكر القنطار الذي ينبض في عروق كل مقاوم عربي أبيّ.. فاستشهاد القنطار لن يمر مرور الكرام كما لم يمر أي اغتيال سابق لعناصر المقاومة، والرد الثأري آتٍ آت فقد قالها سيد المقاومة وقوله قرآنٌ ناطق..