حالات يومية من التسمم…ما تشهده المستشفيات اليوم يختلف عن السنوات الماضية!
لم يسلم أحد من اللعنة التي حلّت على البلاد، الأوضاع الاقتصادية تتفاقم، العائلات تزداد فقراً، الصيدليات دون أدوية أو تحتكره لبيعه على غرار المحروقات على سعر الصرف اليومي. مآسي الوطن يتكبدها المواطن الذي أثقل كاهله بمئات الهموم وتخطت قدرته على استيعاب وتأمين أدنى مقومات العيش.
هذه الدوامة وتبعاتها أثرت بشكل مباشر وآخر على القطاع الصحي: مرضى دون علاج، غياب القدرة على تأمين المعدات الطبية، #الأدوية وبدائلها مفقودة، حالات المصابين الذين يتطلب علاجهم ترتفع. مشهدٌ يؤكد أن الرعاية الصحية “شلّت” بسبب قرارات المسؤولين ومعها تهدد أبسط الأمراض صحة المواطن، وآخرها: #التسمم الغذائي.
من الطبيعي أنّ تزداد حالات التسمم في فصل الصيف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على تحضير الطعام في المطاعم وفي المنزل. فكان المصاب يقصد الصيدلية لمعالجة هذا التسمم من خلال وصف أدوية للأعراض الذي يشعر بها.
لكنّ، في هذه الأوضاع العصيبة، وصلت خطورة هذه المشكلة الصحية إلى دخول المستشفى والذهاب إلى الطوارئ نتيجة فقدان الأدوية في الصيدليات. قد يعتقد البعض أن هناك مبالغة في وصف المشهد الصحي، إلا أنّ مضاعفات التسمم قد تنهي حياة المريض.
التسمم من “منقوشة” وأكل البيت
منذ أيام، تغيبت زميلتي عن العمل وتعذر عليها إتمام مهامها كالمعتاد، اعتقد البعض أنّ سبب ذلك يعود إلى غياب المازوت لديها أو عدم قدرتها على تأمين البنزين لسيارتها. لكن الحقيقة أنها تعرضها لتسمم نتيجة تناولها “منقوشة جبنة”. ساعاتٌ بعدها حتى شعرت بأوجاع قوية في المعدة ورافقها غثيان وتقلصات قوية في البطن. تعدّ زميلتي محظوظة في العثور على علبة لمعالجة الأعراض غير أنها كان مفعولها ضعيفًا جداً، وتطلب ذلك لجوؤها إلى الطوارئ وتشخيص حالتها بالتسمم القوي.
وفي قصة موازية، تعرض هذا الأسبوع شخصان من المحيط العائلي إلى تسمم بسبب عصير الحامض والنعنع وصحن سلطة قد أعداه من حواضر المنزل، ناهيك عن الحالات التي نسمع بها من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو من الزملاء والأصدقاء.
فهل فعلاً هناك مبالغة في توصيف واقع التسمم في لبنان؟
الأوضاع في المشافي ليست أفضل حالاً
تؤكد الاختصاصية في السموم وطبيبة الطوارئ في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة ثروت زهران في حديث مع “النهار” أنّ حالات التسمم الغذائي ارتفعت أكثر من المعتاد هذا الموسم. ورغم غياب الأرقام الدقيقة حول ذلك، تقدر أنّ أعداد الذين يلجأون إلى الطوارئ نتيجة هذه المشكلة الصحية يصل عددهم إلى 4 أو 5 حالات كحدّ أدنى يوميًا. يتوافق رئيس قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو الدكتور أنطوان الزغبي مع حديث الدكتورة زهران، إذ ازداد عدد المصابين الذين يقصدون الطوارئ بشكل كبير. وتتوزع هذه الحالات بين الصغار والكبار، وعددٌ منهم يحتاج إلى دخول المستشفى بسبب تطور حالته، أي درجة الحرارة فوق الأربعين، أكثر من 15 مرة إسهال في اليوم، ووجع بطن مؤلم، وهذه المسألة “لم نكن نشهدها بكثرة في السنوات السابقة”.
وفي ظلّ معاناة المشافي بسبب نقص المعدات، توضح الاختصاصية في السموم وطبيبة الطوارئ أنّ عدد من #المستشفيات تخطت قدرتها الاستيعابية في استقبال المصابين وتقوم بتحويلهم إلى مراكز طبية أخرى. ويترجم هذا المشهد بتلقي العديد من المرضى علاجاتهم في قسم الطوارئ بسب تخطي القدرة على إيجاد سرير في المستشفى.
وحول أنواع البكتيريا المسببة للتسمم، تستند زهران في حديثها إلى عملية الزرع التي يقومون بها في المركز، وتقول إنّ السالمونيلا تأتي في الدرجة الأولى كمسبب للتسمم، يليها “إي-كولاي” وغيرها من البكتيريا. ويعود سبب هذه البكتيريا تحديدًا إلى تناول الدجاج والحليب ومشتقاته والخضار. ولا ترتبط المشكلة بنوع الطعام بقدر إهمال عملية النظافة في تحضير الطعام وطريقة تفريزها. وفي الوقت الذي ندرة الكهرباء وتحديد ساعات الاشتراك، أثر ذلك على عملية التبريد والتسخين، ما يؤدي إلى تكاثر البكتيريا. وهذه المشكلة تواجهها الأسر التي تطهو طعامها في المنزل وعلى حدّ سواء الأشخاص الذين يتناولون طعامهم في الخارج وفي أهم المطاعم.
ماذا عن العلاجات؟
يتطابق توصيف طبيبي الطوارئ عن صعوبة الوضع الصحي لناحية تأمين الدواء من الصيدلية الذي كان يخفف من توجه المصابين إلى المستشفى. وفي خضم هذه المعاناة، يحاول الأطباء والممرضون إعطاء السوائل لترطيب الجسم وإعادة توازن مستويات الصوديوم في الجسم إضافة إلى المصل الذي يحتوي على أدوية لعيان وغيرها. وفي هذا السياق، تحذر زهران من تناول أدوية مضادة للالتهابات مباشرةً عند الاصابة بالتسمم الغذائي، لا سيما عند الأطفال، لأنه يضر بصحتهم، فهي لا توصف إلا في حالات الحرارة القوية والأفراد الذين يعانون من ضعف في المناعة ومرضى السرطان.
سخرية القدر أنّ يقف المواطن عاجزاً عن تأمين دواء بسبب تسمم غذائي، ولعنة العيش أنّ يتسمم جراء إعداده طعامه من حواضر البيت الرئيسية.
المصدر : نور مخدّر – النهار