مصرف لبنان ‘يحتجز’ أموال الكهرباء | الكذبة لا تضيء لمبة
تجلس مؤسسة كهرباء لبنان في زاوية الأزمة المتفاقمة، محاولةً استعطاف الجميع والتنصّل من مسؤوليتها تجاه العتمة. فهي ترمي المسؤولية على الدولة لعدم تأمينها الفيول لتشغيل المعامل. ومع استفحال العتمة وعدم التماس نتائج تأمين الفيول العراقي، لعِبَت المؤسسة إحدى أوراقها التي تظن أنها رابحة، وهي “فائض العملة الوطنية المتراكم في حساباتها لدى مصرف لبنان”. هذا الفائض كما تصفه المؤسسة في أحد بياناتها الذي يحذّر من العتمة الشاملة، لا يزال في المصرف “منذ عدّة أشهر”. فهل تتمكّن المؤسسة من سحبه، وما هي حدود تأمينه لساعات تغذية إضافية؟
جدلية الاحتجاز
تسرد المؤسسة ما ستؤول إليه أحوال التغذية مع تراجع مخزونها النفطي، ووقوف النفط العراقي عند حدود تأمين 500 ميغاوات كحد أقصى. ما يعني بأن الشبكة مهددة “بالانهيار الشامل في أي لحظة”. وإحدى أهم الحلول التي يمكن للمؤسسة استخدامها للتخفيف من حدة الأزمة، هو سحب مستحقاتها الموضوعة في مصرف لبنان، والمتأتّية من “جراء عمليات جباية فواتير الاشتراكات”.
لم ترفع المؤسسة سقف كلامها مع المصرف، بل لم توجِّه الكلام له مباشرةً، وإنما أشارت إلى وجود أموال في خزائنه، تعود لها. وفي الحقيقة، أن هذه الأمول محتجزة فعلًا، لكن ليس بالصورة التي تريد المؤسسة إظهارها، وكأن المصرف يحرمها من حقوقها بلا سبب.
وتشير مصادر في وزارة الطاقة إلى أن تلك الأموال محتجزة “بسبب تخلّف المؤسسة عن سداد مستحقات جهات تتعامل معها، ومنها بواخر الطاقة وشركات مقدمي الخدمات والشركات التي ترتبط بالمؤسسة عبر عقود الصيانة وتأمين عمال.. وغيرها. وهي في الأصل غير كافية لشراء الفيول لتشغيل المعامل بالقدرة الكافية. لكن بيت القصيد ليس هنا”.
تضيف المصادر في حديث لـ”المدن”، أن لمؤسسة كهرباء لبنان أهداف خلف فتح هذه الصفحة، أهمّها الإيحاء بأن تقصيرها في القيام بواجباتها ناتج عن عدم امتلاكها المال، وهو محجوز في مصرف لبنان، فضلًا عن التمهيد لطلب أموال تُدفع على شكل سلف خزينة.
دليلٌ خَطِر
الإشارة إلى تلك المستحقات لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، فهو “دليل خطر على العجز الذي تغرق فيه المؤسسة”. وتقول المصادر أن في حساب المؤسسة “نحو 133 مليار ليرة، أي نحو 89 مليون دولار وفق سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة. في حين أن عليها مستحقات لبواخر الطاقة وحدها، نحو 200 مليون دولار. أي أن المؤسسة فعليًا لا تملك شيئًا في مصرف لبنان، والأوراق المالية الموجودة لها أصحابها. وما تريده المؤسسة اليوم هو أخذ الـ89 مليون دولار بالدولار، على أن يسجّلها مصرف لبنان على سعر 1500 ليرة”. إذاً تريد المؤسسة أن يؤمّن لها مصرف لبنان دولارًا مدعومًا.
خطورة ما تريده المؤسسة يؤشّر أيضًا إلى حجم الضياع الذي تعيشه هي ومالية الدولة. فالموازنة العامة تؤمّن ثمن الفيول عبر سلفات الخزينة، منذ العام 2011. والمعروف أن الدولة تصرف أموالها بلا موازنة منذ العام 2006، أي أن كل سلفات الخزينة منذ ذلك الحين، هي تمويل غير قانوني. والأخطر، أن حسابات وزارة المالية لدى مصرف لبنان غير معروفة على وجه الدقة، أي لا نعرف ما تملكه الدولة من أموال وما يُصرَف منها.
والأصعب من ذلك، لا وجود لسند قانوني يُلزِم مؤسسة كهرباء لبنان بسداد قيمة الفيول. فالدولة تشتري هذا الفيول من دون أن تطلبه المؤسسة وفق الأطر القانونية، وبالتالي، يأتيها بما يشبه الهبة. ما يزيد من ضياع الأموال العامة في زواريب مؤسسة الكهرباء. ويعزز هذا الضياع، ما يصفه مصرف لبنان وبعض “الخبراء” الماليين، بـ”الفجوة المالية”، وكأن هناك حفرة سقطت فيها الحسابات المالية ويستحيل معرفة مصيرها. في حين أن عملية قيد بسيطة يمكن اتّباعها من البداية، كفيلة بإظهار حركة كل ليرة وكل دولار دُفع سواء للمؤسسة أو غيرها. إلا أن كان هناك من تعمَّد إحداث فجوة، على مدى سنوات.
لا مال ولا كهرباء
تعرف المؤسسة أن معضلة الكهرباء عبارة عن نفقٍ مسدود. وكل ما يُحكى ويوضَع من خطط ومشاريع حلول، لا أفق لها، لأن من أمسك سابقًا بوزارة الطاقة، على الأقل منذ العام 2002 حتى اليوم، مع لفت النظر إلى الإنعطافة الخطيرة التي حصلت مع إطلاق ما يسمى بورقة سياسة القطاع في العام 2010، لا يريد للأمور أن تستقيم، وتحديدًا على المستوى المالي.
وبالتالي، لا تملك المؤسسة اليوم سوى محاولة التملّص من مسؤوليتها ورمي الكرة مجددًا في ملعب وزارتّي الطاقة والمالية من جهة، ومصرف لبنان من جهة أخرى. فإن أفرج المصرف عن ما تزعم أنه أموالها، ستكسب. وإن لم يفرج، ستكون وزارتا الطاقة والمالية أمام ضرورة تأمين سلف خزينة لشراء الفيول. وفي جميع الأحوال، تُبرّىء المؤسسة ساحتها، وهي العارفة بأن لا أموال ستُعطى لها، ولا دولارات كافية لشراء الفيول.. وبالتالي، لا قدرة على زيادة ساعات التغذية. فالحل إذاً هو الهروب إلى الأمام وخلق إشكالية وهمية مع مصرف لبنان، والقول لوزارة المالية، اعطنا سلفة مالية، فلدينا أموال في المصرف المركزي، سنسدد منها لاحقًا.
المصدر : خضر حسان – المدن