لبنان يموت من انقطاع الكهرباء !!
إنخفاض التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان إلى الحدود الدنيا، وارتفاع سعر طن المازوت إلى الحدود القصوى، أعدما فرص اللبنانيين في الحصول على كفايتهم من الطاقة. الأزمة التي تتوالى فصولاً، فتحت صفحة جديدة أكثر ظلاماً، وأعلى كلفة، تحت عنوان: الحاجة إلى سلفات جديدة، وإلا…
هذه الـ “إلاّ” التي يقصد بها “العتمة” إن لم يتم تمويل “الفيول” للكهرباء، أصبحت واقعاً ولم يعد التهديد بها يُجدي نفعاً. والحجة بأن السلفة ستكون موقتة ريثما يظهر الحل الشامل فهي “باهتة”، بعدما غسلها وزراء الطاقة المتعاقبون مراراً وتكراراً من دون أن تنتج حلاً “نظيفاً”. أمّا “عذر” المقارنة بين كلفة السلفة بقيمة 200 مليون دولار على الاقتصاد وما يدفعه المستهلكون من فواتير باهظة للمولدات الخاصة (كل ساعة دوران تتطلب 500 ألف ليتر من المازوت بكلفة 295 ألف دولار)، فهو “أقبح من ذنب” تحوّل الحلول الموقتة إلى دائمة، وعدم كفاية السلفة لأكثر من شهرين مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً ووصول سعر البرميل إلى عتبة 90 دولاراً.
العجز عن شراء الفيول
المشكلة الآنية التي تعيق رفع التغذية إلى ما بين 10 و12 ساعة في اليوم، تتمثل في عجز الكهرباء عن شراء الفيول للمعامل. فكمية الفيول التي تستطيع “الشركة” التصرف بها لا تتجاوز 80 ألف طن شهرياً تتأمن من “سواب” الفيول مع العراق. فيما رفع الانتاج إلى 1800 ميغاواط يتطلب شهرياً ما لا يقل عن 300 ألف طن من الفيول، وبقاء بواخر الطاقة، وصيانة المعامل الكهرومائية. وحتى اذا أضفنا إلى الفيول العراقي صفقة الغاز المصري، والكهرباء من الأردن فستبقى الحاجة كبيرة جداً. ذلك أن الغاز المصري لن يصل إلا إلى معمل دير عمار الذي ينتج 400 ميغاواط. فيما استجرار الكهرباء من الأردن من دون تحديث الشبكة والمحولات بين لبنان وسوريا تؤمن بين 250 و270 ميغاواط على أحسن تقدير. وعليه تبقى الحاجة إلى شراء الفيول لتشغيل بقية المعامل كبيرة ورفع التغذية إلى 12 ساعة يومياً كبيرة.
حلول قصيرة المدى
السؤال هو: من أين ستتأمن الاموال إذا كانت الكهرباء عاجزة، ولم يتم إقرار سلفة خزينة من الدولة يحولها مصرف لبنان إلى دولار على سعر 1500 ليرة؟
من خلال “خطة واضحة وسريعة لرفع التعرفة وتعزيز الجباية وتخفيض الهدر غير التقني”، تقول الخبيرة في مجال الطاقة كارول عياط. “ذلك أن كلفة الجباية اليوم قد تفوق المبالغ المجباة نتيجة التدني الهائل في الأسعار. فمتوسط كلفة الكيلواط المنتج من كهرباء لبنان يبلغ على سعر صرف 16000 ليرة حوالى 4300 ليرة (50% من الكلفة يذهب هدراً) ما زال يباع بمتوسط 150 ليرة، فيما يفوق سعره 5000 ليرة بالنسبة للمولدات الخاصة. وعليه فان إعادة النظر بالتعرفة ورفعها بحسب كمية الاستهلاك، أي على الشطور، مع إبقائها منخفضة لصغار المستهلكين هو أمر لا بد منه قبل الانتقال إلى أي إجراء آخر. وبالاضافة إلى رفع التعرفة ترى عياط أن “الاستمرار في الانتاج يتطلب تعزيز وتفعيل الجباية وهذا يتم من خلال:
– جباية المتأخرات التي تعود للعام 2019 من خلال جدولتها على فترات أقصر، أو إعطاء حسومات وحوافز لكل من يريد تسديدها دفعة واحدة.
– البدء بالتحصيل الفوري للفواتير عبر واحدة من الطرق التالية:
– اعتماد الفواتير الالكترونية e-billing التي تخفض كلفة طبع الفواتير وأجور الجباة بالاكراء ومصاريف التنقلات… وغيرها الكثير من المصاريف التي أصبح يحسب لها ألف حساب.
– الدفع بواسطة بطاقات تشريج مسبقة الدفع تشبه إلى حد ما طريقة تعبئة الهواتف الخلوية بالوحدات. هذه الطريقة مستعملة على نطاق واسع في الدول الافريقية وغيرها من البلدان الناشئة. وهي تتطلب وجود عدادات ذكية تسمح بـ”تشريجها” بناء على تقدير الاستهلاك في كل منزل أو مؤسسة. المشكلة الوحيدة لهذه الطريقة أنها تتطلب وقتاً أطول وتستلزم فتح المستهلك لحساب مصرفي وان تكون دفعاته منتظمة. إلا انها فعالة وسهلة التطبيق. ويمكن تنفيذها على المدى المتوسط وليس القصير على عكس الطريقة الأولى.هذه الإجراءات تزيد من مدخول شركة الكهرباء بالليرة، تخفض الهدر غير التقني، وتسمح بتحقيق وفر سريع لشراء الفيول وصيانة المعامل. وبالتالي تؤدي حكماً إلى رفع ساعات التغذية وتخفيض الفاتورة التي يدفعها المستهلكون للمولدات الخاصة. إذ انها تسمح للشركة بـ”بيع الكيلواط ساعة بحدود 20 سنتاً، أي بأقل من نصف ما تتقاضاه المولدات الخاصة. حيث تبلغ كلفة الكيلواط بحدود 40 سنتاً”، تقول عياط. وفي المقابل من الممكن إعطاء حزمة مساعدات وقروض ميسرة لتركيب وحدات الطاقة الشمسية بشكل فردي solar rooftop. الأمر الذي يخفف من الاعتماد على المولدات الخاصة بشكل مباشر ويخفض فاتورة المازوت التي تدفع بالعملة الصعبة، مما يساهم بتخفيض سعر الصرف.
حلول متوسطة المدى
مع رفع التعرفة وتعزيز الجباية وتخفيض الهدر غير التقني وتفعيل الانتقال إلى الطاقة الشمسية يكون لبنان قد بدأ تطبيق الشروط الاصلاحية الاصعب في قطاع الطاقة بسلاسة. ولا يبقى إلا زيادة الانتاج وتطوير الشبكات وتخفيض الهدر التقني لكي نصل إلى كهرباء 24/24. وهذا ما يمكن تأمينه من خلال اعتماد “خطة متوسطة المدى بعيدة عن السياسة والتسيس وبمعايير علمية”، بحسب عياط. فـ”القرارات التي تتعلق بعدد المعامل المنوي إنشاؤها وحجمها وموقعها يجب أن تخضع لدراسات علمية على أساس least cost generation plan إي الانتاج بأقل تكلفة ممكنة. وهذا ما لا يمكن أن يتأمن إلا من خلال اعتماد الغاز في المعامل الحرارية، والتوسع في الانتاج من مصادر الطاقة النظيفة في الوقت نفسه. ذلك أن التجارب في الدول اثبتت أن الطاقة المتجددة (شمس، رياح) وحدها لا تؤمن الاستقرار على الشبكة. وبحسب عياط فان “تأمين الغاز من مصر إلى معمل دير عمار ورفع قدرته الانتاجية بتنفيذ المعمل الثاني. وإقامة محطة تغويز FSRU مقابل معمل الزهراني وبناء معمل جديد وتشغيلهما على الغاز، يرفعان القدرة الانتاجية ويؤمنان مع بقية الحلول المعتمدة الكهرباء بشكل دائم. ومن بعدها يمكن وصل أنبوب غاز بين الشمال والجنوب، وإقامة المحطات على طول الخط الساحلي لتأمين حاجات القطاعين الانتاجي والسكني من الغاز بشكل مباشر”.
الهيئة الناظمة
الحلّان على المدى القصير والمتوسط يشكلان في حال تنفيذهما “الحلّ الدائم” الذي لطالما كان مطلب الداخل والخارج، بدلاً من سلفات الكهرباء والبواخر وغيرها من الحلول الموقتة التي لم تنتج غير العتمة. وهما يتطلبان، أقله في الشق المتوسط المدى، إنشاء “الهيئة الناظمة للقطاع” بناء على القانون 462/2002 وعلى قواعد الحوكمة والاستقلالية والشفافية. فمن دون هيئة مستقلة تنظم القطاع وتبعد سلطة الوزير والتسييس عن المشاريع ستبقى الثقة معدومة، ولن تأتي الاستثمارات والمساعدات. أما في حال تشكيلها “صورياً” ومع قص للصلاحيات، مثلما يحدث مع كل الهيئات الاصلاحية ومنها هيئة الشراء العام، فستلحق بـ “الهيئة الناظمة في نيجيريا”، برأي عياط. فـ”الاخيرة أنشأت الهيئة بطلب من الجهات الخارجية والبنك الدولي. إنما لم يتم تعزيز استقلاليتها وحمايتها من التدخلات. ففشلت وزادت خسارة قطاع الكهرباء وتخطى العجز نسبة 40 في المئة”.
لغاية اللحظة لم تعلن الحكومة رسمياً عن خطتها للكهرباء. لكن عدم إعطاء هذا الملف الأولوية، والصمت عن رفض فريق وزير الطاقة السياسي تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، والاتجاه نحو طلب سلفة وتحويلها إلى الدولار في مصرف لبنان عوامل تشي بـ”الرضا” عن استمرار تعاطي “مخدّر” الحل الموقت الذي “أدمنت” عليه “الطاقة”، وأخذ القطاع إلى الهلاك.
المصدر : خالد أبو شقرا – نداء الوطن