المولوي يكشفها بلا قصد | باسيل يوارب ويتذاكى!
من الصعب الجزم على نحو قاطع، ما اذا كانت القنبلة التي رماها وزير الداخلية بسام المولوي، مع كشفه ملابسات وتفاصيل اللقاء الذي جمعه برئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل قبيل تأليف الحكومة، هي من باب العفوية الزائدة، أم أنّ الرجل يقصد شيئاً ما من خلال الافصاح عن حصول هذه الواقعة، وهو الوافد من عالم السلك القضائي ويعرف جيداً أنّ لكل “اعتراف” تبعاته. فكيف اذا كان اعترافاً بهذا الحجم بمقدور المستمع إليه أن يحكم فوراً على النتيجة: إنّها فعلاً حكومة جبران باسيل!
اذ سأل الإعلامي مارسيل غانم وزير الداخلية: هل زرت النائب جبران باسيل قبل أن تُصبح وزيراً، بمعنى “هل أخذت رضاه؟”، فأجاب بصراحة: “نعم زرته بعد أنْ طلب مني رئيس الجمهورية ذلك وسألت الرئيس نجيب ميقاتي إن كان يُحبّذ زيارتي لباسيل فنصحني بالذهاب”.
على مرصد متابعي حيثيات مشاورات تأليف الحكومة، هذه “السالفة” ليست إلا تأكيد ما هو مؤكد. رئيس “التيار الوطنيّ الحرّ” وضع اللمسات الاخيرة والحاسمة على تشكيلة نجيب ميقاتي قبل أن يحملها الأخير إلى قصر بعبدا لتذييلها بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون. فحقيبة الداخلية رست بعد طول صراع على حصّة رئيس الحكومة، ولكن مع شرط موافقة رئاسة الجمهورية، والعكس حصل في ما خصّ حقيبة العدل. واذ تبيّن أنّ مبنى ميرنا الشالوحي هو المعبر الإلزامي!
أكثر من ذلك، طافت أخبار الصالونات السياسية في تلك المرحلة بالتعليقات الساخرة ازاء خطّ التواصل الجانبي الذي أنتجه “الصهران” أي باسيل وصهر طه ميقاتي، مصطفى الصلح، لتزيد من دسم الاتهام الموجّه إلى رئيس “التيار الوطني الحر” حول دوره المركزي في التأليف…
لكن ما كشفه وزير الداخلية، أثبت بما لا يقبل الشك بأنّ المواقع الوزارية التي كانت موضع خلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لم تحسم إلا بعدما عبرت “سكانر” جبران باسيل وحصلت على موافقته! فيما اكتست رواية جمال الكبي الذي كان مرشحاً للتوزير، أهمية بالغة بعد كشف وزير الداخلية عن اللقاء- الامتحان، والذي وصفه بالتعارفيّ، والذي خضع له أمام باسيل. اذ نقل عن كبي قوله بعد أيام من تأليف الحكومة أنّ ميقاتي طلب منه زيارة باسيل لكنه رفض، فعاجله بالقول لقد فوّت على نفسك فرصة التوزير.
المشهد ذاته تكرر مع حكومتي سعد الحريري ومن ثمّ حكومة حسان دياب، وبعدهما نجيب ميقاتي، في تأكيد واضح لا لبس فيه على دور باسيل في التفاصيل الحكومية، ولو أنّ التيار عاد ونفَض يديه من حكومة دياب، في أسلوب فيه الكثير من المراوغة والالتفاف على الحقائق والوقائع!
وهنا ثمة اشكالية مطروحة بالنسبة لحلفاء ميقاتي. فالرجل أقنع أصدقاءه، وتحديداً نادي رؤساء الحكومات السابقين، أنّه ملتزم السقف الذي سيّجه النادي حول رئاسة الحكومة، وهو بالتالي لن يقدم على أي تنازل أضافي في سبيل العودة إلى رئاسة الحكومة، لكنه بالنتيجة فعلها. وهذا ما تظهره التطورات.
ولعل هذا الانحراف في أداء ميقاتي، هو الذي يفسّر الانزعاج الحاصل بين مكونات نادي رؤساء الحكومات السابقين، وأكثرهم تسجيلاً للملاحظات هو رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي يعتقد وفق المتابعين أنّ ميقاتي ذهب بعيداً في مسايرة الخصوم وتحديداً الفريق العوني، وثمة من يتحدث عن تفاهم شامل نسجه رئيس الحكومة مع جبران باسيل قبيل الانخراط في التفاصيل الحكومية، ولعل أبرز تلك التفاهمات يرتبط بملف الكهرباء. وها هو رئيس الحكومة يختبئ خلف الاقتراح المقدم لتعديل القانون 462 الهادف إلى تعديل صلاحيات الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، كي يؤجل البحث في هذا الموضوع بحجة الحاجة الفورية لتأمين التيار الكهربائي قبل البحث في اشكاليات القانون والهيئة.
الاشكالية الثانية ترتبط بخطاب التيار الوطني الحرّ الذي لا يزال يصرّ على اعتماد سياسة التذاكي على الرأي العام والمواربة، للمسارعة إلى غسل يديه اذا ما فشلت الحكومة في مهمتها، وهو الاحتمال المرجّح، للانتقال فوراً إلى صفوف المعارضة بعدما حاصر ميقاتي الفريق العوني بـ”الهدايا” الحكومية ليحصل بالمقابل على ثقة تكتل لبنان القوي”.
ولهذا يتصرّف “التيار” وكأنّه على قاب قوسين من الوقوف على جبهة المعارضة تحت وطأة الانتخابات النيابية التي دارت رحاها على الحلبة المسيحية ما قد يجعله في حالة خصومة مع الحكومة التي أشرف رئيسه على ولادتها، من منطلق الشراكة، لا شهادة “شاهد ما شاف حاجة”.
وهذا ما يفسّر تأكيد نائبة رئيس “التيار الوطني الحر” للشؤون السياسية مي خريش في حديث لها في 25 أيلول “نحن كتيار وطني حرّ لسنا مشاركين في الحكومة وما في وزراء محسوبين علينا”! الأرجح أنّها تقصد بتصنيف المحسوبين على “التيار”، نموذج حكومة الحريري الأولى حين كشف باسيل أنه ألزم الوزراء بتوقيع استقالات مسبقة ستوضع موضع التنفيذ في حال فشلوا في مهامهم. والأرجح أيضاً، أنّ القفز إلى المقلب المضاد قد لا يتأخر كثيراً. فالصدمة الايجابية التي أحدثها تأليف الحكومة لم تصمد إلّا أياماً قليلة. وها هو الدولار يحلّق من جديد مقترباً من عتبة العشرين ألف ليرة، وأسعار المواد الاستهلاكية تحلّق خلفه، فيما الكهرباء مقطوعة ولا دولارات لشراء الفيول، وطوابير البنزين تعود إلى مطارحها.
المصدر : كلير شكر – نداء الوطن