كيف اكتُشفت عملية هروب 3 سجناء من «إمارة رومية»؟
في 12 تشرين الأوّل 2012، ضجّ البــلد بخــبر هروب ثلاثة سجناء من داخل سجن رومية هم الجزائري فيصل عــقلي، والسوري عمر عثمان والفلسطيني محمود فلاح (تردد أن أحدهم قـتل في سوريا لاحقاً).
وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لم تصدر المحكمة العسكريّة حكماً قضائياً بحقّ الـ13 المدّعى عليهم بهذه القضيّة (بينهم عميد و3 ضباط وعسكريان اثنان) لأسباب عدّة أبرزها تغيّب مدّعى عليهم أو وكلاء الدّفاع عنهم. هذا قد يبدو طبيعياً، ولكنّ الأنكى أنّ التحقيقات التي شاركت فيها معظم الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة لم تتوصّل، حتى اليوم، إلى كشف طريقة الهرب ما عدا ما ثبت عن أنّ عقلي فرّ بزيّ إمرأة منقّبة قبيل الأوّل من أيلول 2012 وأن عثمان فرّ في أواخر آب، فيما لا معلومات عن تاريخ هروب فلاح!
هذا الأمر قد يــبدو مســتغرباً، ولكــن يبطــل العجب عندما يسترجع العارفون التفلّت الذي كانت تعيــشه رومــية «أيّام الإمارة»، ليكون محطّ الاستــغراب فعلياً هو عدم حصــول عشرات عمليّات الفرار.
أمر هروب السجناء الثلاثة لم يُكتشف إلا بعد مرور أكثر من شهرين، إذ أنّه لم يكن بمقدور القوى الأمنيّة الدخول إلى الطبقة الثالثة من السّجن لتعداد السّجناء، وإنّما كانــت تكتــفي بأن يقــوم أحــد أشهر «السجناء الإسلاميين» خالد يوســف الملقّب بـ «أبو الوليد» بتعداد المساجين، ومن ثمّ إبلاغ الأمنيين بأنّ العدد الموجود مطابق للحقيقة.
بالنسبة للأمنيين، فإنّ «أمير رومية» هذا كان من «الموقوفين الأوادم. ومنيح اللي في هيك مساجين يديروا السجن»، وفق ما وصفه المدعى عليه في هذه القضيّة وقائد سريّة السجون المركزيّة آنذاك العميد ع. ز. أمام كلّ الموجودين حينما كان في «زيارة» لغرفته مصطحباً معه آمر السجن الرائد أ. أ. ض.
هذا الأمر أيضاً ليس مستغرباً في حينه. ويشير القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق العسكريّ نجاة أبو شقرا في العام 2013 إلى أنّه «تبيّن من خلال الوقائع أنّ العميد ع. ز. كان يعقد مع أعضاء ما يسمى باللجنة الإداريّة (فعلياً مجلس الشورى) التي أنشأها سجناء فتح الإسلام، اجتماعات دوريّة خارج السجن، وتحديداً في مكتب آمر المبنى ب، ويتداول معهم بشؤون سياسيّة وقضائيّة وأمنيّة»! كما أعطى رقم هاتفه للسجناء وسمح لهم بالتواصل معه عبر رقم هاتفه العسكري! بالإضافة إلى أنه أمر بالتخفيف من تفتيش نساء سجناء «فتح الإسلام» (مما سهّل عمليّة فرار عقلي بزيّ إمرأة).
«العلاقات المميزة» بين الطــرفين، أنتجت أيضاً بأن يجيز العميد إدخال بعض المواد الممنوعة إلى هــؤلاء السجناء بتراخيص شفهيّة أو خطيّة، ومنها السماح بإدخال «فان» محمّل بالأغــراض من دون تفتيش، وإدخال غالونين من البروتين لـ «أبو الوليد» ودراجة بثلاثة دواليب!
كلّ هذا حصل بحجّة أوردها العميد أنّ «ما قام به يندرج ضمن إطار سياسة التهدئة التي انتهجتها الحكومة والوزارة المعنيّة والقادة الأمنيون آنذاك، لا سيّما بعد أعمال الشغب التي جرت».
ولذلك، لم تدرك القوى الأمنيّة لماذا تمنّع فلاح عن النزول من غرفته عندما سمع اسمه على الميكروفون، لأن عناصر من فرع المكافحة في مديريّة المخابرات في الجيش أتوا إلى سجن رومية لتلبية أمر استخراجه للتحقيق معه بشأن اتصالات مشبوهة كان يقوم بها من هاتفه داخل السّجن.
كان ممكناً اكتشاف ملابسات هذه العمليّة عندما بحثت القوى الأمنيّة داخل الزنازين التي تحوّلت إلى «ديوانيات» لتكتشف أنّ فلاح غير موجود! لكنّ ذلك لم يحصل، فاكتفت القوى الأمنيّة بكلام من «أبو الوليد» أن الرجل مشغول «عنده اجتماع»، ثم بتوقيع الطلب الخطي للتعذير من السَّوق (نموذج اعتمده السجناء الذين رفضوا لمدّة طويلة سَوقهم إلى المحاكم). آنذاك، صعد مساعد المراقب العام إلى الطبقة الثالثة والتقى بالسجين سليم الصالح المعروف بـ «أبو تراب» وأعطاه ورقة الطلب لتسليمها إلى فلاح على اعتبار أنّ الطبقة الثالثة مقفلة من قبل سجناء «فتح الإسلام» الذين يحوزون على المفتاح ولا يسمحون للعناصر الأمنيّة بالدخول إلا بإذنٍ منهم!
وبعد أن غاب لدقائق، عاد «أبو التراب» وسلّم ورقة الطلب إلى الرقيب أوّل وعليها بصمة إبهام (تبيّن لاحقاً أنّها بصمة أبو تراب)، وقام المعنيون بإرسال برقيّة «تعذّر السوق» إلى مديريّة المخابرات.
مرّت العمليّة بشكلٍ طبيعي، قبل أن يقوم «أميرا رومية»، وفق ما يرويان، بزيارة خاطفة إلى غرفة فلاح. وبرغم قراءتهما للعبارة التي كان معظم السجناء في هذه الطبقة يضعونها على أبواب زنازينهم التي تحولّت إلى غرف في فندق: «أسألك بالله لا تقرع، لا تطرق، لا تنادي. إخوانك نائمون»، فتحا الباب ليجدا الغرفة خالية من المساجين الثلاثة: فلاح وعقلة وعثمان.
وعلى الفور، اتّصل «أبو الوليد» بالعميد ليجد خطّه مقفلا، فطلب من الملازم إبلاغ العميد ع. ز. أن يحضر إلى السّجن لأمر خطير. وهكذا حصل عندما بدأ العميد ليلاً بالاتصال بقيادته لإبلاغها بفرار السجناء الثلاثة ثم بدأت عمليات البحث داخل الطبقة الثالثة التي لم تفض إلى أي نتيجة سوى أنّ القوى الأمنية اكتشفت وجود «منور» في الطبقة الأولى فوق غرفة القلم العدلي وكانت تستخدمها نساء «فتح الإسلام» كمصلى!
والأفظع من ذلك، أنّه لدى التدقيق في سجلات الصيدليّة تبين أن السجينين الفارين عثمان وعقلي سجلا زيارة إلى الصيدلية في بداية شهر أيلول. وبعد عرض صور السجينين على طبيب الصيدليّة أكّد أنّه لا يعرف أصحاب هذه الصور ولم يشاهدهما من قبل، وتبيّن أنّ السجناء انتحلوا صفة الفارين.
في الخلاصة، فإنّ عمليّة الهروب كشفت جزءاً مما كان يحصل داخل «إمارة رومية» قبل قيام وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق بإعطاء الأمر بتنفيذ خطّة أمنيّة «نظيفة» داخل السّجن. فقبل هذه العملية، يقول عسكريون مدعى عليهم في قضيّة هروب السجناء الثلاثة: «في واقع الأمر لسنا مراقبين عامين وإنّما يمكن وصف أنفسنا بأننا كنا خدماً لدى السجناء، وتقتصر مهامنا على إرسال طلبات إدخال أغراض أو طلبات إخلاء سبيل التي يريدها هؤلاء»!.