“الأخبار” تنشر جردة حساب مع دول الخليج | ما أعطيناهم إياه أكثر بكثير!
تحت عنوان “جردة حساب مع دول الخليج: ما أعطيناهم إياه أكثر بكثير!” كتب محمد وهبة في جريدة الأخبار:
قامت العلاقة بين لبنان ودول الخليج على سرديّة صدّقها الطرفان، وهي أن عمل المهاجرين اللبنانيين في دول الخليج «مكرُمة»، فيما الزوار الخليجيون إلى لبنان كتلة أموال نَهَبَها اللبناني «الحربوق». لكن في حصيلة العلاقات الاقتصادية بين الطرفين يتبيّن أن الجهة التي نُهبت هي لبنان؛ فعلى ظهر عمل شبابه وشباب آخرين غير لبنانيين، نهضت دول الخليج وراكمت فوائض ضخمة على مرّ السنوات لا يمكن تعدادها ولا حصرها، فيما استثمر الخليجيون في ريوع لبنان المالية والعقارية وحصدوا أرباحاً ضخمة، وفي التجارة كان الفائض من نصيبهم أيضاً
يمثّل التأزم في العلاقات السياسية بين لبنان ودول الخليج فرصة لإجراء مراجعة حقيقية وجدّية حول العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وإذا لم يكن جائزاً إجراء مقارنة بين لبنان كدولة صغيرة، وبين مجموعة دول تستحوذ على 34 في المئة من احتياطات النفط العالمية، إلا أنه يمكن إجراء جردة حساب تتعلق بتدفقات العمالة والسلع والأموال بين الجانبين. الملامح الأولية لهذه الجردة توحي بأن لبنان لم يستفد من هذه العلاقة التي كانت تترجم عجزاً في علاقاته التجارية وفي تحويلات المغتربين إلى لبنان مقابل إنتاجيتهم هناك، وحصد الأرباح من الريوع مقابل توظيفات باهتة في بعض القطاعات الإنتاجية. عجز لبنان ليس تجاه دول مجلس التعاون الخليجي الست مجتمعة (السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، عُمان، الكويت، وقطر)، بل تجاه كل منها على حدة. مصلحة لبنان في إجراء هذه المراجعة.
صناعة الاغتراب: أي مردود خليجي؟
منذ عقود هاجر اللبنانيون إلى دول الخليج. يروي المدير العام لوزارة المغتربين هيثم جمعة في كتابه الصادر عام 2004 «الهجرة اللبنانية: واقع وآفاق»، أن تيار الهجرة إلى السعودية ودول الخليج بدأ بعد عام 1975. وهذه كانت الثالثة في موجات الهجرة اللبنانية من أصل 6 موجات كان آخرها بعد عدوان إسرائيل في تموز 2006. وعلى هذا المنوال فإن سابعتها ستكون بعد الانهيار المصرفي والنقدي في 2019.
يقول جمعة: «كان لاكتشاف النفط في هذه البلدان أثره البالغ في ذلك حيث بدأت دول الخليج بإقامة المشاريع التنموية ما استدعى وجود شركات عالمية كبرى في المنطقة كانت بحاجة إلى الأيدي العاملة والمهارات والخبرات التي لم تكن متوافرة في السوق المحلية». يمكن ترجمة ذلك بلغة اقتصادية: المغتربون اللبنانيون في الخليج ساهموا في نهضة دول الخليج ونمّوا اقتصاداتها، لأنهم من ذوي المهارات والكفاءات العلمية. وثمة ما يعزّز هذا الاستنتاج في دراسة أجرتها شوهيغ كاسباريان عن تحويلات المغتربين، إذ أشارت إلى أن 70.9 في المئة من مرسلي التحويلات إلى لبنان هم شباب، وأن مساهمة الجامعيين المغتربين هي الأعلى وتصل إلى 61 في المئة من مجموع مساهمات المغتربين في التحويلات المالية.
تقدر الودائع الخليجية في لبنان بنحو 5 مليارات دولار وهي أقلّ بكثير من الودائع السورية
في المقابل، إذا تعاملنا مع المغتربين باعتبارهم استثماراً، كما يتعامل معهم لبنان بنموذجه للاقتصاد السياسي، فإن مردود هذا الاستثمار يحتاج إلى 17 سنة لردّ قيمته وحدها. فبحسب الأرقام التي وزّعها البنك الدولي عام 2015 عن تحويلات المغتربين، يتبيّن أن متوسط تحويلات المغتربين من دول مجلس التعاون الخليجي لا يتجاوز 910 دولارات شهرياً، بالتالي يتطلب ردّ قيمة الاستثمار نحو 204 أشهر أو 17 سنة. طوال هذه الفترة تستحوذ دول الاغتراب في الخليج على القيمة الفعلية لإنتاجية المغترب. فالعمالة الماهرة وأصحاب الكفاءات يتقاضون رواتب أكبر بكثير من متوسط الناتج الفردي الذي يبلغ اليوم في دول الخليج نحو 24500 دولار. كل فائض الإنتاج تمتصّه دول الخليج من المغتربين، بينما لا ينال لبنان من شبابه سوى الفتات.
إلى جانب ذلك، فإن طبيعة العمل في الخليج النفطي فيها شكل من أشكال الدونية تجاه العلاقة التي أرستها الدولة اللبنانية مع هذه الدول نتيجة عقود من الممارسات السياسية الفاشلة لـ«نموذج الاقتصاد السياسي في لبنان». فاللبنانيون المغتربون إلى دول أفريقيا يحوّلون أموالاً أكثر. في 2012 كان متوسط التحويلات الآتية من الخليج يبلغ 8100 دولار مقارنة مع 9000 دولار من أفريقيا. في أفريقيا يكاد يكون اللبناني مستعمِراً وصاحب نفوذ، بينما في الخليج يخضع لقوانين العبودية في ارتباط العمالة الأجنبية بمبدأ الكفالة، وارتباط الاستثمار بالشراكة المحلية التي يتنازل فيها رأس المال عن غالبية ملكيته.
نظام هشّ
على الجانب التجاري، ثمة مسألة مهمة جداً تتعلق ببنية النظام الاقتصادي والسياسي في لبنان. فهذا النموذج عمل منذ تأسيسه على نفخ قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية ليتيح للسكان قدرات شرائية تفوق قدراتهم الفعلية. هذا الأمر كان يتطلب تدفقات متواصلة من رأس المال، سواء كانت تحويلات مغتربين أو استثمارات أجنبية مباشرة، أو هبات وقروضاً أو على شكل ودائع. كانت هذه التدفقات تأتي لأن أسعار الفوائد كانت مرتفعة، إلا أن هذا الأمر كان يخلق تشوّهات في بنية الاقتصاد تحدّ من قدرته على تقليص كلفة إنتاجه، بالتالي تحدّ من زيادة قدراته التنافسية. في هذا الإطار، اكتفى لبنان بأن يصدّر المنتجات إلى الدول ذات القدرات الشرائية المرتفعة. على رغم ذلك، فشل النموذج في أن يحقق ربحاً من هذا الأمر. ففي السنوات العشر الأخيرة استورد لبنان من دول مجلس التعاون الخليجي الست بقيمة 11.9 مليار دولار، وصدّر إليها بقيمة 8 مليارات دولار. هذه الأرقام مصدرها الجمارك اللبنانية ومتاحة للعموم، وهي تشير إلى أن لبنان سجّل عجزاً تجاه هذه الدول بقيمة 3.9 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، أي بمعدل وسطي يبلغ سنوياً 390 مليون دولار. هذا العجز ناتج من ضعف القدرات التصديرية للبنان على رغم القوّة الاستهلاكية الكبيرة في دول مجلس التعاون النفطية. نصيب الفرد هناك من الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 24500 دولار، لكن لبنان يخسر تجاههم.
لقراءة المقال كاملاً من المصدر: اضغط هنا