عون في دمشق | آخر خرطوشة… ‘فيشينك’
يدور همساً في أوساط إعلامية قريبة من دمشق كلامٌ عن زيارة قد يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون للعاصمة السورية. وهي إذا تمّت فستكون الأولى والأخيرة للعهد الحالي الذي دخل في العام السادس والأخير من ولايته. لكنّ هذا الكلام ينطوي في الوقت نفسه على برودة تصل إلى حدّ اللامبالاة بهذه الزيارة. لكنّها إذا ما تمّت فستكون مشفوعة بعبارة مجاملة: “أن تأتي متأخّراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً”. غير أنّها تؤكّد أنّ حليف الرئيس السوري، منذ أن قرّر العودة إلى لبنان من منفاه الباريسي عام 2005، لم يحفظ الجميل الذي كان وراء عودة الجنرال من منفاه. وأصبح عون في مرحلة يبدو فيها وكأنّه بحاجة إلى جميل آخر يساعده على عزلة لبنانية وعربية ودولية يعانيها اليوم، كما عاناها قبل 30 عاماً.
آخر ما كانت تريده دمشق من بقايا عهد عون أن يبادر إلى تأييد عودة سوريا إلى القمّة العربية التي سيكون موعدها المقبل في الجزائر. ومن حسن حظّ النظام السوري أنّ الجزائر بلسان رئيسها عبد المجيد تبّون جاهرت الشهر الماضي بضرورة عودة دمشق إلى مقعدها الشاغر في القمّة منذ قرار المقاطعة العربية لها بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. لكنّ الرئيس عون، الذي يمنحه الدستور صلاحيّات العلاقات الخارجية بين لبنان والعالم، يبدو في حالة وجل من القيام بخطوة تدفعه إلى مقصلة العقوبات الدولية، ولا سيّما الأميركية. ويكفيه أنّه اُبتُلي بالعقوبات الأميركية التي نالت من وريثه النائب جبران باسيل.
إذا أراد عون زيارة دمشق، كـ”آخر خرطوشة” في جعبته، فيمكن القول مسبقاً إنّ هذه “الخرطوشة” ستكون “فيشنك”، أي بلا حشوة
في المقابل، يقول المتفائلون بقيام عون بهذه الزيارة إنّه يمرّ الآن في حالة يأس قصوى نتيجة عزلة تشبه المنفى، ظهرت جليّاً في المقاطعة الصريحة التي قامت بها باريس منذ لقاء جدّة بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ويشعر عون بمرارة انقطاع صلاته تقريباً مع العالم العربي، وكادت أن تكون شاملة لولا زيارته الأخيرة لقطر تحت عنوان مناسبة رياضية. ولهذا لم يعد لديه سوى دفتره القديم الذي بدأ يملأ أوراقه في عام 2005.
يعود هؤلاء المؤمنون بزيارة عون لدمشق وهو حامل لقب “فخامة الرئيس”، إذا حصلت، إلى كتاب كريم بقرادوني “صدمة وصمود”. وفيه رواية موثّقة كيف عاد الجنرال من منفاه من بوّابتيْ دمشق و”حزب الله”. وممّا يرويه بقرادوني في كتابه الصادر بعد عام 2007: “في أوائل 2005، زارني طوني حرب وربيع معلولي، وهما ناشطان من التيار الوطني الحر، برفقة بشير مراد أحد المسؤولين في مصلحة طلاب الكتائب، وسألاني بلا مقدّمات إذا كنت على استعداد لأساهم في عودة الجنرال عون إلى لبنان… أنت قادر على أن تساعد مع الرئيس إميل لحّود ومع السوريين”. يضيف: “كان لي بعد ذلك لقاء مع الرئيس لحود، ثمّ لقاء مع النائب إميل لحود انتهى إلى ورقة عمل حملت عنوان “مبادرة لعودة الجنرال ميشال عون”. وقد حمل إميل لحود المبادرة إلى ماهر الأسد الذي نقلها إلى شقيقه الرئيس بشار الأسد الذي وافق على المبادرة شرط أن يكون حزب الله شريكاً في العملية. وفي 16 آذار 2005، عرضت النص على السيد حسن نصرالله، فأخبرني أنّه يجري اتصالات مع دمشق، وهو يدرك أنّ العديد من الأصدقاء والحلفاء ينظرون إيجاباً إلى هذه العودة”. وأوضح بقرادوني أنّ مبادرة عون نصّت على تعهّد “تعهّد عون بأن تتمّ تسوية مسألة سلاح حزب الله بالحوار معه، ومن دون اللجوء إلى استخدام القوة، والتأكيد على ضرورة تحسين العلاقات اللبنانية – السورية المميّزة…”. ونقل عن عون قوله قبل عودته من فرنسا: “أنا موافق مبدئياً على مجمل ما ورد في الورقة”.
تلك كانت ورقة التفاهم الأصلية التي لا تزال مصدر سلوك عون منذ 16 عاماً، ولا سيّما في شقّها المتعلّق بـ”حزب الله”. وها هو يقارب اليوم الشقّ المتعلّق بالنظام السوري الذي ليس أفضل حالاً من الجنرال. فكلّ منهما يتربّع على سلطة بلد صار في درك لا يبدو أنّ هناك ما هو أسفل منه.
ماذا لو قرّر عون أن يزور نظيره السوري؟
في أيّ حال، حتى لو التقى الرجلان، فسيكون لقاء الخائبين. وتكفي العودة إلى ما قاله المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في مجلس الأمن الدولي قبل أيام لتبيُّن حال سوريا اليوم. وفق معطيات بيدرسن صارت سوريا بلداً “يستمرّ فيه العنف ضدّ المدنيين، والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، بما في ذلك النساء والفتيات، وترتفع فيه معدّلات الجوع والفقر مع استمرار الانهيار الاقتصادي، ووصول عدد المحتاجين إلى المساعدة في سوريا إلى 14 مليون شخص وهو العدد الأكبر منذ بدء النزاع”، واصفاً المسار الحالي للتطوّرات بأنّه “مقلق للغاية”.
إضافة لكلام المندوب السعودي الأمم المتحدة عن بلد الجماجم مؤخراً
إذا أراد عون زيارة دمشق، كـ”آخر خرطوشة” في جعبته، فيمكن القول مسبقاً إنّ هذه “الخرطوشة” ستكون “فيشنك”، أي بلا حشوة.
المصدر : أحمد عياش – اساس ميديا