مصارف تعطي الدولار لمودعيها | نقداً أو تحويلاً للخارج!!
ساد النفور على مدى عامين بين المصارف ومودعيها. زادت العلاقة توتّراً مع تزايد انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، وابتداع مصرف لبنان آليات لسحب الودائع الدولارية في المصارف، بصورة تفقدها المزيد من قيمتها، عبر اختلاق تسميات جديدة لتغليف حقيقة الامتناع عن إعطاء المودعين دولاراتهم. وكان الدولار اللبناني أو اللولار، أحد أبرز وجوه التغليف، لتتحول الودائع الدولارية إلى ليرة بقيمة أعلى من قيمة الليرة في السوق. لكن فعلياً يكون المصرف قد تخلّص من موجب دفع الوديعة بعملتها الأصلية، وتالياً احتفاظ المودع بقيمة أمواله. لكن مع امتناع المصارف عن التسديد إلا بشروط مجحفة، إلتزم عدد من المصارف بسداد الودائع بالدولار، نقداً أو تحويلاً للخارج.
الدولار يأتي من الخارج
كالكثير من الشركات المحليّة المموّلة من الخارج أو فروع الشركات الأجنبية، لم تقطع فروع المصارف الأجنبية مسار دفع ودائع عملائها بالدولار. وتشكّل فروع المصارف العربية جزءاً من الملتزمين بالدفع طوال فترة الأزمة منذ بدايتها وحتى اللحظة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، البنك العربي، بنك الكويت الوطني وبنك قطر الوطني. هؤلاء وغيرهم “إلتزموا مع عملائهم بسقوف شهرية معينة تبعاً لحجم التحويلات الدولارية التي تأتي إليهم، لكنهم لم يوقفوا دفع الدولار”، على ما تقوله مصادر مصرفية في حديث لـ”المدن”.
السبب الرئيسي لهذا الإلتزام هو “تأمين الدولار من الخارج. فهذه المصارف هي فروع للمصارف الأم، وتختلف عن المصارف اللبنانية لناحية تأمين الدولار من محفظة البنوك الموجودة في الخارج. وبالتالي، فإن هذه المصارف غير معنية بالأزمة”. ولأن دولارها موجود في الخارج “تقدّم هذه المصارف خيار الدفع النقدي المباشر أو إجراء تحويلات إلى بنوك أخرى حول العالم، حسب رغبة المودع”.
أيضاً، تسهّل ندرة الخيوط بين تلك المصارف ومصرف لبنان، في تحرر المصارف الأجنبية من عبء الأزمة والاضطرار إلى الإلتزام بتعاميم مصرف لبنان، المتعلقة بآليات الإفراج عن الودائع. فحسب المصادر، فإن “المصارف الأجنبية لديها حسابات قليلة مع مصرف لبنان، وتتّجه منذ بداية الأزمة إلى إقفالها، فهي في الأصل غير ملزَمة بفتح الكثير من الحسابات، ولم تُبدِ اهتماماً بالخدمات والعروض التي قدّمها مصرف لبنان للمصارف اللبنانية قبل الأزمة”. علماً أن المصارف اللبنانية كانت ملزمة بحكم طبيعة عملها، بفتح الحسابات، خصوصاً من أجل إجراء عمليات المقاصّة الداخلية.
كما أن المصارف اللبنانية تنتظر من مصرف لبنان تأمين الدولارات لتوزيعها على المودعين، فيما المصارف الأجنبية غير معنية بهذا الإجراء. ولا يمكن للمصارف الأجنبية الدخول في دوامة الأزمة اللبنانية، كي لا يؤثّر ذلك على سمعتها عالمياً. وهي في الأصل لا ناقة لها بالأزمة ولا جمل، بل هي موجودة لتسهيل العمليات المصرفية للأفراد والشركات من رعايا الدول التابعة لها. أما البنك العربي تحديداً، فهو غير تابع لدولة معينة، لكن له تاريخاً وامتداداً في العالم العربي وبعض دول العالم، ولن يغامر في اكتساب نقاط سلبية، في وقت لا يُعتَبَر فيه لبنان سوقاً كبيراً بالنسبة للبنك، فلا يجدر بأي حدث داخلي أن يؤثّر سلباً على سمعته.
أزمة ثقة داخلية
تأمين الدولار في المصارف الأجنبية ليس قراراً مفاجئاً، بل هو عملية لم تتوقّف بالنسبة لكل الحسابات بما فيها التي فتحت بعد تشرين الأول 2019. وما أوقفته بعض تلك المصارف، هو إعطاء القروض، إذ بعضها كان يعطي قروضاً شخصية وقروض إسكان. وعليه “لا داعي للضجيج ولإظهار عملية إلتزام روتينية، وكأنها حدثٌ كبير، وإن كان لافتاً عملها، مقارنةً بما تقوم به المصارف اللبنانية المنغمسة حتى النخاع في الأزمة”.
ما يُحتَسَب للمصارف الأجنبية، كان يمكن للمصارف اللبنانية مجاراته، وإن بوتيرة أقل تكون بمثابة خطوة إيجابية تجاه مودعيها، وذلك عبر “تأمين سقوف أعلى للسحوبات والإلتزام بانتظام تأمين الدولار مهما اختلفت السقوف. فالإلتزام يوحي بالثقة ويقلّص الطلب على السحب، فتؤمّن المصارف بذلك قدراً من الملاءة الدولارية لتلبية أكبر قدر من طلبات السحب. وحينها قد لا يحتاج المودع للإسراع في سحب ودائعه طالما أنه مطمئن على أمواله على المدى البعيد”.
مسارعة المصارف لإقفال أبوابها بذريعة المخاوف الأمنية والحفاظ على سلامة موظفيها، عزّز مخاوف المودعين وارتفع الطلب على السحب، ولم تعد المصارف قادرة على تلبية الطلبات. وبدل ابتداع آليات تطمينية، ابتدعت -تحت مظلة مصرف لبنان- آلية تدميرية، ذلك أنها وجدت في الأزمة فرصة للتخلّص من إلتزاماتها مع المودعين، بأقل كلفة ممكنة وبصورة تُبقي على الدولار في محفظتها.
المصدر : خضر حسان – المدن