محبو الحيوانات الأليفة في لبنان يتألمون إزاء كارثة صامتة
تسقط الحيوانات الأليفة أيضاً، وبشكل متزايد، ضحية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يشهدها لبنان، حيث اضطر كثيرون إلى المفاضلة بينها وبين لقمة عيشهم، وانتهى الأمر بالعديد من الكلاب والقطط مشردة في شوارع البلد.
ويكاد لا يوجد بيت في لبنان لم يتأثر بتداعيات الأزمة المعيشية الأسوأ التي تمر على البلاد في تاريخها المعاصر، حيث وقع أكثر من نصف السكان في براثن الفقر خلال شهور قليلة، ما خلف بدوره آثاراً مدمرة في حياة الحيوانات التي كانت مدللة في البيوت التي احتضنتها. ووجدت آلاف الحيوانات المنزلية نفسها منبوذة أولاً، ثم مشردة في المدن والقرى المختلفة، ثم عاجزة عن التأقلم مع خطر الشوارع والسيارات والافتقار إلى الطعام الملائم، بالإضافة إلى قساوة بعض الناس وغياب تطبيق القوانين التي يفترض أن تحميها.
وهنالك كارثة حقيقية صامتة تشهدها شوارع البلد، حسبما يقول المدافعون عن هذه الكائنات الأليفة والذين تتقلص إمكاناتهم للعمل وحمايتهم، في حين تنشغل غالبية الناس بالسعي خلف أرزاقها المتضائلة مع انهيار الرواتب وخسارة الليرة أكثر من 90% من قيمتها، وارتفاع نسبة التضخم، والقيود المشددة للبنوك على عمليات سحب أموال مودعين.
وليس سهلاً على كاتيا شماس (55 سنة)، المقيمة في منطقة بعبدا على مشارف بيروت، أن ترى ذلك كله من دون أن تتحرك، هي التي اعتادت إيواء عدد كبير من القطط والكلاب والعناية بها، واحتضنت برغم التحديات المعيشية الحالية، ثلاث قطط وكلباً إلى جانب القطط العشر التي تربيها في بيتها منذ سنوات.
وقالت كاتيا لوكالة “أسوشييتد برس”: “يا ويلتاه على ما يحصل مع الحيوانات في لبنان والناس لم تعد قادرة على إيوائها دائماً.. لكن هناك العديد من قساة القلوب أيضاً، فمن كان يمتلك حيواناً أليفاً قبل الأزمة، لا يفترض أن تؤثر فيه الآن زيادة صحن إضافي من الطعام المنزلي لهذا الحيوان المسكين، وإذا عجز عن ذلك، بإمكانه تقديم الحيوان إلى جمعية أو عائلة مستعدة لرعايته.. من المعيب إلقاء هذه الروح التي خلقها الله في الطريق”.
وتتحدث الأرقام عن نفسها. وبحسب الباحث في الشؤون الإحصائية، عباس طفيلي، تراجع استيراد اللبنانيين للأطعمة المخصصة للكلاب والقطط خلال العام 2021 إلى نحو 26 مليون دولار، مقارنة مع 46 مليون دولار خلال العام 2018.
وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد-19 التي ساهمت في تفاقم معاناة الأسر وقدرتها على إيواء الحيوانات في بيوتها، أوضح رئيس مجموعة “آنيمال ويلفير اكتيفيس” روجيه سعد، الناشط منذ 13 سنة في مجال حماية الحيوانات، أنه “في ظل الأزمة الاقتصادية، بدأت الناس تتضايق من مصاريف الحيوانات، مما تتطلبه من عناية طبية وأسعار الطعام الباهظ، فترميها في الطريق من دون رحمة ولا ضمير، ومنها من يتعرض لحوادث ومنها من يتعذب ومنها من يتم تسميمه”.
من جهته، بكى أنطوني أبي حنا (59 سنة) مرتين وهو يتحدث بغصة عن الحيوانات التي ينقذها بنفسه من الشوارع منذ أكثر من 22 سنة عندما أنقذ للمرة الأولى وبالصدفة كلباً دهسته سيارة وغادرت. ومنذ ذلك الوقت، يعمل أبي حنا مستقلاً، بلا جمعية ولا تمويل منظم، معتمداً على وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فايسبوك” حيث ينشر بانتظام القصص الحزينة للكلاب المشردة أو التي ألحق بها البشر أذية لا توصف، ويتلقى مساعدات متفرقة ولو رمزية من المؤيدين والمناصرين لنشاطه الخيري.
لأبي حنا ملجأ للكلاب يشرف عليه بنفسه، وهو يعاني من اضطراره إلى نقل كلابه من منطقة إلى أخرى كل فترة محاولاً تأمين مكان إقامة ثابت لها، وهو في طور الانتقال بالملجأ حالياً من منطقة جزين في الجنوب، إلى منطقة كسروان، إلى الشمال من العاصمة بيروت. ولديه الآن 70 كلباً، وكان في مرحلة ما، خصوصاً قبل الأزمة الاقتصادية، يؤوي أكثر من 130 كلباً.
ولم يعد في مقدور أبي حنا العناية بحيواناته المنبوذة مثلما كان يفعل في الماضي. وقال متحسراً “أحتاج يوميا ما يعادل 100 دولار مخصصات طعام للكلاب الـ70، وإذا كانت هناك كلاب مريضة أو بحاجة إلى رعاية صحية، فإن الكلفة تكون أكبر”.
وتذكر أي حنا، “بيلا”، الكلبة التي ركلها شخص لتسقط من أعلى مبنى مهجور لتتحطم أضلاعها، وتبنتها سيدة بريطانية واصطحبتها معها إلى بريطانيا. كما تذكر بوندو، وهو كلب من فصيلة “روتوايلر” مكسور الورك، الذي قررت سيدة لبنانية مجهولة التكفل بعلاجه الباهظ.
في الوقت نفسه، فإن قلة من الناس باتت تأتي لتبنّي كلب. وقال أبي حنا أن “التراجع بنسبة 90% مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين. أما أنا فقد قلصت اختياراتي في إنقاذ الكلاب لأنني لم أعد أستطيع رعايتها مالياً كما يجب”. ويجمع أبي حنا الطوابع النادرة منذ أن كان في عمر 7 سنوات. ويبيع الآن طوابعه المحببة إليه منذ طفولته، عبر موقع المزادات “إي باي”، لعله يتمكن من تأمين بعض الطعام والأدوية لكلابه.
إلى ذلك، توصلت غنى نحفاوي، الناشطة منذ 7 سنوات في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، إلى خلاصاتها حول أسباب هذه الظاهرة المؤلمة والعنف بحق الحيوانات، مشيرة إلى الحاجة إلى تنشئة سليمة في المدارس والمجتمعات المحلية وتفعيل القوانين من خلال البلديات والوزارات المعنية، وقالت أن “الكلب ليس هدية نلقيه بعد انتهاء العيد، فإلقاء الحيوان الأليف في الشارع يعني أننا حكمنا عليه بالموت البطيء”.
وتحدثت نحفاوي بغضب عن كلبة قتلوها وهي إلى جانب جرائها الصغيرة في منطقة طرابلس قبل أيام، مشيرة إلى ضرورة تطبيق القوانين المتعلقة بحماية الحيوانات، بما في ذلك التزام البلديات بإيجاد ملاجئ لإيوائها بالتنسيق مع الجمعيات المعنية، وذلك مع ازدياد ظاهرة “الصدم والفرار” من جانب سائقي السيارات وتفاقم جرائم الأذية الجسدية، ما يجبر نحفاوي وغيرها، على فضحها في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل اقناع وزارات كالداخلية والزراعة والبيئة بالتحرك السريع لمحاسبة مرتكبيها، أو إيقاف الأذى.
وقالت نحفاوي بحسرة: “كل يوم أرصد حالتَي انتهاك بحق الحيوانات”، موضحة أنها تتعرض لانتقادات يومية وتنمر في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب اهتمامها بإنقاذ هذه الكائنات الضعيفة، وليس على مشكلات الناس. وختمت بالقول: “قبل أيام قتل عسكري غزالاً مهدداً بالانقراض وكتب متباهياً على الصورة التي نشرها: المتعة بالقتل. ثم تم اعتقاله. للأسف صار لدينا ميل للعنف، والقتل صار سهلاً”.
المصدر : المدن