بالأرقام… هكذا تحوّط التجار للدولار الجمركي
صحيح انّ الدولار الجمركي سيرفع اسعار قسم كبير من السلع المستوردة بنحو 14 مرة عمّا هي عليه اليوم، والتي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يُصنّع مثيلاً لها في لبنان، مثل الأدوات الكهربائية والالكترونيات والسيارات وقطع غيارها. لكن السؤال، هل سينجح هذا التدبير في تحسين إيرادات خزينة الدولة او على العكس سيفعّل الرشاوى مجدداً، وسينمّي التهريب على حساب الاقتصاد الشرعي؟
إستمرت ارقام الواردات بالتراجع في العام 2021، حيث سجّلت الواردات ولا سيما السلع الغذائية والأدوية انخفاضاً ملحوظاً، الّا انّ الحديث عن الدولار الجمركي أعاد تنشيط الحركة، خصوصاً في الفصل الاخير من العام المذكور، بحيث ارتفعت مستوردات السلع الاستهلاكية التي يمكن تخزينها، مثل السيارات والادوات المنزلية وقطع الغيار والالكترونيات… فقد استفاد التجار لدى شرائها من رسوم جمركية متدنية ودولار جمركي بقيمة 1500 ليرة قبل بيعها لاحقاً، مستفيدين من حزمة الرسوم الجديدة المعدّة في الموازنة، والدولار الجمركي الذي سيُحتسب وفق منصة صيرفة اي نحو 20 الفاً.
وفي السياق، توقع الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي، ان يكون بلغ حجم الاستيراد خلال العام 2021 ما بين 9.8 و10 مليار دولار، مع العلم انّ العام 2020 سجّل حجم الاستيراد ما بين 10.8 الى 11 مليار دولار.
وأظهرت الإحصاءات، انّ حجم استيراد السيارات وقطع الغيار تضاعف في العام 2021 مقارنة مع العام 2020، حيث سجّل العام الماضي استيراد بنحو 617.92 مليون دولار (أرقام حتى نهاية شهر تشرين الثاني) مقارنة مع 361.98 مليون دولار في العام 2020. وعزا طفيلي هذا الارتفاع المضاعف الى عاملين:
– اما بدء مستوردي السيارات التحوط احتساباً للرسوم الجديدة المرتقبة على الاستيراد الى جانب رفع الدولار الجمركي، حيث استوردوا على دولار جمركي 1500 ليرة، ليبيعوها لاحقاً على سعر أعلى، بحجة ارتفاع الدولار الجمركي الى 20 الفاً. ويؤكّد هذه النظرية، انّ أرقام الاستيراد في هذا القطاع ارتفعت بشكل ملحوظ في الفصل الاخير من العام 2021.
– إما فرضية استيراد لبنان السيارات لصالح غير دول، بعدما اصبحت الرسوم الجمركية الزهيدة نقطة جذب اساسية. وتساءل: «هل كنا نستورد السيارات وقطع الغيار لصالح سوريا مثلاً، علماً انّ السوق اللبنانية- السورية ناشطة في هذا المجال منذ سنوات، لأنّ الاخيرة تمنع استيراد بعض السلع من الدول الاجنبية، او تفرض رسوماً عالية على استيرادها، منها على سبيل المثال، السيارات التي تصل نسبة الرسوم الجمركية عليها الى حدود 200% بينما في لبنان لا تزال تُحتسب تكاليف الاستيراد وفق دولار 1500 ليرة». وأكّد طفيلي، انّ الاستيراد لم يكن محصوراً لصالح سوريا. فالرسوم الجمركية لدينا باتت من الأقل كلفة بين دول الشرق الاوسط، الأمر الذي شكّل عامل جذب للتجار. لذا من غير المستبعد اننا استوردنا السيارات وقطع الغيار لصالح العراق او الاردن… وتمّ ايصالها بالتهريب».
كما لم يستبعد طفيلي ان يكون سبب ارتفاع حجم استيراد السيارات العاملان المذكوران سوياً.
أما في ما خصّ الأدوات الكهربائية، فتُظهر الأرقام انّ حجم الاستيراد في العام 2021 كان قريباً من المحقق في العام 2020، الذي سجّل ما مجموعه 323.6 مليون دولار حتى نهاية العام 2020، مقارنة مع 304.3 ملايين دولار حتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2021. انما اللافت، انّ حجم الاستيراد لهذا النوع من السلع زاد في الفصل الاخير من العام 2021، مقارنة مع الاشهر الماضية من العام نفسه، اي بعدما بدأ الحديث عن الدولار الجمركي.
وتوقف طفيلي عند بعض الارقام المستغربة التي اظهرتها ارقام الواردات والتي تطرح علامات استفهام عدة، منها على سبيل المثال:
استورد لبنان عام 2021 ما مقداره 4.2 مليارات دولار محروقات، بما يزيد عن 6.5 ملايين طن مقارنة مع 3 مليارات و86 مليون دولار في العام 2019. هذا وتميز عام 2021 بأنّه عام الذلّ على المحطات بامتياز.
استورد لبنان حتى نهاية شهر ايار2021 كريمات تجميل مدعومة تحت مسمّى أدوية، وعلى سعر صرف 1500 ليرة، بدليل انّه بعد شهرين بالتمام عندما توقف الدعم، ما عدنا نجد الادوية في الصيدليات؟ هل يُعقل أننا ما عدنا نملك المال لدعم «البنادول» الذي رُفع الدعم عنه بنسبة 60%؟ وهل من المنطقي صرف 960 مليون دولار كدعم للسلة الغذائية، ليليها فقدان حليب الاطفال من الاسواق ومعه الأدوية؟ كل هذه المعطيات تؤكّد انّ سوء تصرف المسؤولين أضاع في عام واحد 17 مليار دولار من اموال صُرفت على دعم استفاد منه فقط كبار التجار والكارتيلات.
في المقابل، لحظت الأرقام تراجعاً لافتاً في مستوردات اللحوم والحيوانات الحية. ففي العام 2020 استورد لبنان من هذه السلعة بقيمة 420 مليون دولار، بينما في العام 2021 استوردنا اقل من نصف الكمية، بدليل تراجع استهلاك اللحوم بشكل لافت واستغناء المستهلكين عنها بعد ارتفاع اسعارها. بينما في المقابل حافظنا على نفس حجم مستوردات القمح والطحين، لأنّها من أساسيات المواد الغذائية اليومية.
موازنة
وتعليقاً على بعض الإجراءات التي لحظتها الموازنة ومدى قدرتها على تفعيل الصناعة المحلية وخفض الاستيراد، قال طفيلي: «لا شك انّ رفع الرسوم الجمركية هو خطوة مطلوبة وضرورية، لكن ما الذي يضمن انّ ايرادات الدولة ستزيد بعد هذا الإجراء، ولن تنشط الرشاوى للمخلّصين الجمركيين على حساب ايرادات الدولة؟».
وأكّد طفيلي، انّ الدولار الجمركي لن يؤمّن أي إيرادات اضافية لخزينة الدولة، بل هو ورقة رابحة للمخلّصين الجمركيين. وشرح انّه مع انهيار سعر الصرف أصبح المستورد يفضّل ان يدفع التكاليف والرسوم المتوجبة عليه في المرفأ للدولة، لأنّها باتت زهيدة جداً، بدل إعطاء رشوة للمخلّصين لتمرير البضائع. وهذا ما يفسّر ارتفاع الإيرادات الجمركية في العام 2021 بنسبة 25% مقارنة مع العام الماضي، لذا فإنّه بإقرار الدولار الجمركي وتسعيره وفق منصة صيرفة ستنشط الرشاوى مجدّداً، لأنّها ستعود لتصبح أقل كلفة على التاجر من دفع الرسوم التي تفرضها الدولة. من جهة أخرى، اعتبر انّ إقرار الموازنة رسم 3% على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، ورسماً قدره 10% على السلع والبضائع المستوردة، إذا كان يُصنّع في لبنان مثيلاً لها، خطوة ايجابية، شرط ان تترافق مع قرار خلق مناطق صناعية تشجع الاستثمار في هذا القطاع، لأنّ كل ما يتمّ تصنيعه في لبنان حالياً مبيعه أغلى من المستورد، لأنّ الدولة غائبة عن تقديم أي دعم لهذا القطاع.
المصدر : ايفا ابي حيدر -الجمهورية