هدية الأمّ في عيدها | دواء واشتراك كهرباء!
بدل أن يكون عيد الأم مناسبة سعيدة كما ينبغي له، صار في لبنان وعلى وقع الانهيار الاقتصادي مناسبة يشوبها الهمّ. فقد أثقلت الأزمة الاقتصادية كاهل المواطنين الذين تبخّرت قيمة رواتبهم وصار الاحتفال رفاهية لا يقدر على متطلباتها القسم الأعظم من الناس.
لم يحتر عصام كثيراً في اختيار هدية والدته لهذه السنة، وهو الذي ينتظر وصول علب أدوية ضغط من تركيا تؤمّن العلاج لها لمدة 5 أشهر. يقول: «أعلم أنها ليست هدية، لكن قدرتي المادية لا تسمح لي بأكثر من تأمين الدواء بدلاً من الركض من صيدلية إلى أخرى بحثاً عنه خصوصاً أن أمي انقطعت من الدواء أكثر من مرة».
ما يعترف عصام أنه ليس هدية هو ما تطلبه بعض الأمّهات، مثل السيدة التي طلبت من أبنائها عندما سألوها عن هدية تحتاج إليها، أن يدفعوا لها اشتراك المولد! أحدهم فكّر بهدية «كروز» دخان لأمه المدخّنة «بالنهاية لم تعد الباكيت رخيصة» فيما يتم تداول مقاطع على تطبيق «التيكتوك» تفيد بأن غالون الزيت فكرة هدية ممتازة لست الحبايب.
قسم لا بأس به رحّل هدية «الأم» إلى بداية الشهر، لأنه أفلس مبكراً كحال موظف مبيعات في إحدى التعاونيات الشهيرة. يقول: «الرواتب لا تسمح بادّخار جزء منها للاحتفال بمثل هذه المناسبة العزيزة، وأمي تتفهّم الوضع».
«الهدايا السيئة»
العروضات متعدّدة وما على الباحث عن هدية إلا ترتيب أموره وفق ميزانيته. الفولارات والبيجامات والقطنيات والأحذية الطبية لا تزال على رواجها في عيد الأم، ولكن صارت كل قطعة تأتي منفردة، فبدل أن تأتي العباءة منسّقة مع فولارد، صارت الهدية «فولارد» يُراوح ثمنه بين 100 و250 ألف ليرة. «لا وجود لعباءة سعرها دون الـ700 ألف ليرة وإلا كانت من النوعية الرديئة» بحسب نهال البائعة في متجر للعباءات، وتضيف: «أما العباءة الخليجية فسعرها يبدأ من 50 دولاراً».
من ناحية أخرى، عادت «الهدايا السيئة» تتصدّر المشهد، وهي سيئة لأنها غير مخصصة للأم إنما لمتطلبات المنزل، كالأدوات المطبخية والتنظيفية كالطناجر والفناجين والملاءات وغيرها كونها في متناول القدرة الشرائية للغالبية. تقول بتول إنها اشترت لأمها «طقم فناجين للقهوة بـ 200 ألف ليرة. كنت كل عيد أعطيها مبلغاً من المال لتتصرّف به كما تشاء، أما اليوم فأنا أخجل أن أعطيها 200 ألف ليرة. أقل مبلغ لو أردت منحها مالاً اليوم لا يجب أن يقل عن 500 ألف». «التفكير بما ينقص البيت فكرة مفيدة خاصة أن الأدوات الكهربائية باتت مكلفة» بحسب أحد أصحاب المتاجر المنزلية. وهكذا اشتركت هنادي حيدر الموظفة في الجامعة الأميركية مع أختها بهدف تجديد طقم الطناجر لأمهما بكلفة 115 دولاراً.
بالنسبة إلى عامر، وهو موظف في قطاع خاص، فهديته هذا العام لأمه «عملية» عبارة عن مكنسة تعمل على البطارية «بتريّحها بظل انقطاع الكهربا». أما زميله فقد اشترى لأمه عطر Tester بدون العلبة، «لأن القنينة المغلفة باهظة جداً».
في محل لبيع منتجات العناية بالبشرة، تؤكد مديرته أن ميل الزبائن اليوم ممن كانوا قبل الأزمة من الطبقة الوسطى، لما هو رخيص الثمن. فلا يسألون عن ماركات محددة، بل عما هو متوفر من كريمات ضمن «بادجيت» يُراوح بين 200 إلى 300 ألف ليرة.
وفي إحدى المكتبات، عروضات لهدايا في متناول ذوي الدخل المحدود مثل الفناجين ودفاتر الملاحظات وكتب في التنمية البشرية داعية إلى الإيجابية باللون الزهري «بوكس عيد الأم» هذه الهدية يشتريها غالباً فئة المراهقين هدية لأمهاتهم بحسب بائعة في المكتبة وتضيف: «منهم من يلجأ لتصميم صور وأسماء الأمهات على فناجين أو على قمصان قطنية أو هدايا أو يشتري أشياء «فانكي» كالتبروير التي تحرص الأم على عودتها إلى البيت قبل أبنائها!
لكن ماذا عن الهدايا التقليدية التي اعتاد اللبنانيون على اختيارها لأمهاتهم؟ الزهور، والمجوهرات وقوالب الحلوى؟
بقطفلك بس!
نبدأ من الورد، الذي لم تعد دانا، الموظفة في القطاع العام تعترف به. تجيب باستغراب: «ورد وفي هذه الأوضاع!». تبرّر: «الورد غالٍ ولا يعيش طويلاً» ثم تضيف ضاحكة: «لما نطلع عالضيعة رح بقطفلها ورد ببلاش».
وبالفعل تراجع مبيع الورد في سنتَي الأزمة السابقتين بحسب غسان عاصي صاحب متجر «وردات» في الحدث. الأزمة الاقتصادية وظروف الإقفال المتعلقة بكورونا هي السبب. يأمل عاصي، الذي يرى أن عيد الأم هو عيد الزهور، أن يتحسّن الحال هذا الموسم رغم أنه مقرّ بأن أحوال الناس «تعبانة». يقول: «نعرض البضاعة المزروعة محلياً ككلّ عام رغم أن كلّ أسعار بضاعتنا تضاعفت، من البذور الأجنبية المصدر مروراً بالأوعية وورق الزينة وصولاً إلى أجرة العمال». تبدأ الأسعار من 100 ألف ليرة للحجم الصغير لشتول القرطاسي، الأزاليا، الكلانشو، الجيرانيوم، والتوليب ويرتفع الثمن مع ارتفاع الحجم من متوسط إلى كبير، يبدأ سعر الأخير من 200 إلى 250 ألفاً. في أحد محالّ الحمرا الزهور مسعَّرة بالدولار. شتل القرطاسي على سبيل المثال بـ 25 دولاراً أما الأوركيديه فهو بـ30 دولاراً.
ماذا عن الذهب؟
إذا كانت أسعار الزهور مسعّرة بالدولار، فمن الأفضل استثمارها في الذهب الذي يبقى بالنسبة إلى الكثيرين الهدية الأضمن، إذ يمكن لصاحبة الهدية أن تبيعه لاحقاً في حال احتاجت إلى المال. الإقبال موجود، لكن مع ارتفاع أسعاره يتجه الناس إلى المجوهرات الرفيعة والخفيفة والتي يُراوح سعرها بين 100 و200 دولار «بس اسمها اشترت دهب» تقول إحدى مديرات محل للذهب.
يبدأ سعر غرام الذهب من 46 دولاراً ويصل إلى 54 دولاراً، رغم ذلك تحسن حال البيع عن السنتين السابقتين بحسب أبو حسن، مدير أحد محالّ المجوهرات، الذي لاحظ إقبالاً على متجره في «عيد الحب». أما هو عن نفسه فيفضّل أن يعطي والدته 100 دولار بدلاً من قطعة ذهب خفيفة، وخصوصاً أن الذهب المشغول يخسر 10 إلى 15% من ثمنه عند البيع. يتفق حسان مع ما أشار إليه أبو حسن، فمبيعات هذه السنة لم تختلف عن سنة 2019. «تحسّن البيع بنسبة 60
% عن سنتي 2020- 2021 »، لافتاً إلى أن «عامل الاغتراب يساهم في 70% من المبيعات وهؤلاء يركزون في مشترياتهم على الذهب المشغول وليس الليرات والقونصات».
قالب الحلوى
يبقى قالب الحلوى الذي ارتفعت أسعاره بشكل واضح منذ بدء الأزمة، حتى إن أفراد إحدى العائلات، وهم من موظفي الدولة، قرّروا جمع المال كالعادة لشراء قالب الحلوى فقط من دون هدية، «سنعطي ما يتبقى من المبلغ إلى الوالدة»، تقول ندى المسؤولة عن جمع الحصيلة. «كنا في سنوات سابقة (وعددنا 6 أشخاص) نجمع حوالي الألفي دولار ونحتفل بالوالدة والوالد معاً لكننا اليوم نتقاسم سعر قالب الحلوى وما يبقى من مال نعطيها إياه». يكاد سعر قالب الحلوى يصبح «نكبة» بالنسبة إلى البعض، إذ يشكل 20% من قيمة رواتبهم. فعلى سبيل المثال قالب متوسط الحجم (عشرة أشخاص) عند أحد المحالّ الشهيرة يبدأ بـ490 ألف ليرة. أما قالب «التوصية» فيبدأ سعره من 685 ألف ليرة. في محالّ أخرى يبدأ سعر قالب الحلوى المتوسط بـ 300 ألف ليرة وهكذا. تقول مسؤولة قسم المبيع في أحد المحالّ: «إن التوصيات تراجعت لصالح القوالب الصغيرة والمتوسطة الجاهزة كونها أرخص ثمناً».
«أريد سلامتكم»
في ظلّ هذه الظروف، تنتاب بعض الأمهات عقدة ذنب تجاه أبنائهن. يكرّرن أنهن لا يردن منهم سوى السلامة وأن يكونوا بخير. هذه المرة أمنية الأمهات ليست تمنّعاً ولكن «أرى ابنتي كيف تتعذب من الفجر حتى المساء في معمل لصناعة الأمصال في البقاع بعيدة عني وبالكاد تتقاضى مبلغ 150 دولاراً» تقول أم محمد التي تسكن في بيروت: «تمنيت عليها ألا تشتري شيئاً، فهديتي أن أطمئن إلى مستقبلها». أما جاين فقرّرت أن تدعو ابنتها إلى الغذاء في مطعم: «لا أريد منها إلا النجاح في دروسها وأنا أعفي نفسي من الطبخ والجلي» تقول ضاحكة.
رنا، وهي أم أربعينية تقول إنها طلبت من أبنائها بعدما ألحّوا عليها بالسؤال عما تريده وما ينقصها «جلسة مساج». تضيف: «منيحة لإزالة التوتر بهذه الظروف، وكثير من المراكز تقدم عروضات مخفّضة للمناسبة».
المصدر : رحيل دندش – الأخبار