نعيُ وطنٍ | بقلم صفاء عاصي
نعيُ وطنٍ
ها قد جئتُ اليومَ باكيةً أنعي وطني،
أبكي لحالٍ لم يشهدهُ التاريخُ منذُ أمدِ،
أبكي على وطني المغتصبِ،
على تاريخٍ بائسٍ ظالمٍ قاهرِ،
هل لي ببعضٍ من أجزائهِ القديمةِ البرّاقةِ؟!!
كلّ لوحاتِهِ المرصّعةِ قد أصابها التّلفِ،
أين الجمالُ والمجدُ والنّعمُ!
أسَفي على وطنٍ يحكمُهُ الدَّجَّالُ والفاسدُ الآمرُ
وبيع الكلامِ على السّذجِ،
أنتَ ياوطني المكسور بِتَّ كعشبةِ قمحِ أيّامَ الخريفِ عاريًا بلا أملِ،
انتشلوا منكَ كلَّ أوراقِكَ الخضراءِ..
إني أعزفُ أنشودةَ الأملِ الضّائعِ،
جئتُ اليومَ وقلمي يرتجفُ،
والحبرُ منه يأبى البوحَ بحالٍ مرٍّ أسودَ،
بحالِ شعبٍ مكسورِ الخاطرِ متألِّمِ،
قلمي باكٍ على مريضٍ حرموهُ ذرّةَ أملٍ كانت مزروعةً فيهِ بعدَ الشّقاءِ والتّعبِ،
سرقوا منهُ حبةَ دواءٍ،
حرقوا رجاءَ ذاكَ المريضِ المتحسّرِ،
أخفوا الأدويةَ في مستودعاتِ الدُّجَّالِ،
حسِبوا أنفسهُم أذكياءَ يلهونَ شعبَهُم برغيفِ خبزٍ باتَ كالحلمِ،
حتى قوتَ يومِنا اختالوهُ مِنَّا،
قتلوا فرحةَ كلِّ ربِّ أسرةٍ يرجو إشباعَ أطفالِهِ،
أبكي عجوزاً أحرقتهُ الشمسُ بلهيبها منتظرًا بالسّاعاتِ،يتمنى
تعبئةَ سيارتهِ بقليلٍ من الوقودِ للسيرِ إلى عملِهِ،
أبكي أُمًّا تبحثُ عن عبوةِ حليبٍ تُشبِعُ بها طِفلها،
فالحديث عن مآسينا لا ينتهي.
رسالتي اليومَ لكم أيُّها الطغاةُ الظالمونَ،
يا عصابات السّرقة،
ألم تشبع بطونُكم سرقةً ونهباً؟!
أيّها القاتلونَ برصاصِ الظّلمِ،
ألَمْ يتحرّك ضميرُكُم بعد؟!
فأنا اليومَ لا أرى في أرضي سوى أبطالاً في القبور،
ولصوصًا تترأّسُ القصور،
وأغنياءَ على ذلّ الفقراءِ يغتنون،
وحكّاماً على جثثِ الناسِ يرقصون،
ونوّاباً لا يتغيرون،
و وزراءَ في مواضيعِ الإنشاءِ يتنافسون،
وكيفَ لي لا أبكي على حالِنا الأسودِ القاتمِ!!!!
صرنا نعيشُ في بلدِ العهرِ والرّذيلة،
بلا ماء ولا كهرباء ولا حياة،
لقد ذبحتم شعبَكُم،
جفّفتم ينابيعَهُ بحقدِكُم،
أحرقتم حقولَهُ بشرورِكُم،
وباتَ اليوم أسيرَ همومهِ،
ولكن أقولُها وبكلّ اعتزاز بأنكم لم تنجحوا بقطعِ لسانِه،
“نحنُ الشّعبُ الأبيُّ الحرُّ المتمرّدُ”
وصوتُ الإرادةِ فينا لن يسكتَ أبدًا عن قولِ الحقيقة..