تفترش وابنها مدخل احد الابنية المهجورة: طبيبة من عائلة ثرية تحولت الى متشردة في شوارع بيروت
تحقيق ليال بيطار ومهى العربي ومريم سويد –
ليس كل من افترش الشارع، واتخذ منه ملجأ لحياته اليومية وقضاء لاحتياجاته المختلفة، من إقامة وسكن، ينبغي ان يكون فقيرا او محتاجا مستديما أو متشردا، متسكعا في الشوارع والطرق، انما الحياة تكون في بعض الاحيان قاسية، فتغير مسار الانسان وظروف عيشه.
فعلى بعد خطوات من مقار وزارية عدة، في شارع مرموق… وسط العاصمة، تفترش امرأة وابنها الشاب مدخل احد الابنية المهجورة.انه المسلك الذي يعبره شخصيات سياسية وامنية بشكل شبه يومي، وما زالت عناية وابنها في الموقع ذاته منذ ما يقارب السبعة اشهر.
الملفت هو ان عناية لا تتسول، انما ببساطة تسكن في مدخل مقفل لا تتعدى مساحتة المتر المربع الواحد، حيث اتخذت من “المصطبة” الوحيدة فيه غرفة للنوم و”المعيشة”، وصنعت من الاغطية والشراشف “بابا” ربما يحجب عنها أعين وفضول المارة، الا ان الرائحة الكريهه التي عمت ارجاء الشارع دفعت بالكثير من المارة الى تحاشي المرور قربها الا ان الفضول الصحافي دفع بنا الى تسليط الضوء على هذه القضية المأسوية.
بعد اقترابنا منها للتحدث اليها لمعرفة ما يحول دون تدخل المسؤولين والجمعيات الخيرية والمدنية لمساعدتها لفت انتباهنا انها عاجزة عن الحراك بسبب كسور في الرجل والكتف، فروت لنا انها تعرضت لحادث صدم نقلت اثرها الى المستشفى للمعالجة وهي في حال التعافي وهو ما لم يكن دقيقا، حيث تبين لنا لاحقا انها كانت تبيت في مرأب عندما قام المالك بدهسها غافلا وجودها وهو يحاول ركن سيارته ليلا.
وتتابع عناية روايتها، لتخبرنا بمعلومات عدة يشوبها الغموض والتناقض عن هويتها التي كانت تدعي حينا بانها طبيبة دماغ وأعصاب وحينا اخر انها استاذة جامعية تتقن لغات اجنبية تحدثت بها خلال الاجابة عن أسئلتنا مما اثار دهشتنا، كما انها اكدت انها من عائلة لبنانية ميسورة وتربطها علاقة باسماء معروفة، لتعاود محاولة التملص من تحديد هوية الاشخاص بدقة، كأنها ارادت اخفاء سر ما، مما حفزنا للانطلاق في رحلة البحث عن الحقيقة.
استملنا الشاب (ح.ن) لمعرفة بعض التفاصيل، الا انها حاولت منعه بالصراخ ما جذب انتباه بعض الامنيين الموجودين في المكان، فوجهوا الينا بعض الاسئلة للاستفسار عن هويتنا واسباب اهتمامنا بالموضوع، وابدوا جهوزية للمساعدة، كما طلبوا من الشاب الاجابة عن أسئلتنا وعدم الرضوخ لاوامر والدته.
حبيب شاب بسيط في العشرين من العمر، ثيابه بالية، متسخ، قلق، متردد، يعتريه الخوف من تزويدنا بالمعلومات، رغم ذلك استغل فرصة انشغال والدته بالتحدث مع الامن ليهمس لنا ” ساعدونا!!! بدي غرفة عيش فيها وانا بدفع”، وكانت عيناه مغرورقتان بالدموع، واضاف” خدوا هيدا الرقم ودقوا وساعدوني” وعندما عاودت والدته الصراخ ، تعمد التحدث عن عمله في احد المطاعم الشهيرة، وانه تعلم في اهم المدارس اللبنانية، وهو ما لم نأخذه على محمل الجدية، الا ان زلة لسان منه بانهم كانوا يقطنون حديقة عامة مجاورة وكان يحتسي القهوة صباح كل يوم في “كشك” مجاور كانت كفيلة بان نبدأ البحث.
من بائع القهوة، الى صاحب كاراج وعامل في ورش البناء وحارس في الحديقة. ومن هنا انطلقنا لمواكبة رحلة تشرد عناية والبحث عن مأوى. لم تكن الروايات متقاربة، فمنهم من قال ان رحلة التشرد بدأت منذ زمن وآخرين قالوا انها من عائلة غنية وهي حديثة التشرد، فلم يكن امامنا الا الاتصال باحد مخاتير المدينة واحد المقربين من العائلة لجزم الموضوع، الذين أكدوا لنا ان معظم ما توصلنا اليه كان حقيقة، عناية المرأة المتشردة هي ابنة عائلة ميسورة وهي طبيبة دماغ واعصاب، من ثم انتقلت الى مهنة التمثيل حيث كان لها أدوار ثانوية في احد محطات التلفزة اللبنانية العريقة، كما انها كانت زوجة طبيب معروف، الا ان الخلافات الزوجية بينهما ادت الى الطلاق، ما دفع بالوالدة وحفاظا على سمعة العائلة الى شراء منزل لعناية ولكن الاخيرة قامت ببيعه لاحقا، لتعود وتقطن في منزل والدتها قبل ان يقع الخلاف بينهما ادى الى تشرد عناية وابنها.
قد تكون عناية هي المذنبة وقد تكون الضحية الا اننا لسنا في وارد الحكم عليها، الا اننا ننظر الى حالتها من الجانب الانساني، فمهما تعاظمت الاسباب والظروف، لا يمكن للضمير الانساني الا ان يهتز ويتعاطف معها.
رغم اننا نملك المعلومات الدقيقة والاسماء كاملة، الا انه وحرصا منا على حياة عناية وابنها بعد مطالبات من بعض الاشخاص بعدم الغوص في التحقيق، تحفظنا عن ذكر الاسماء، ولاننا طلاب معرفة وحقيقة، لم نكن نطمح لسبق صحافي بل لعمل انساني بحت، ما زادنا قوة واصرارا على اكمال “مشوارنا” وما بدأنا به عل وعسى ان نلقى آذانا صاغية وان تصل قضية هذه المرأة وابنها الى المعنيين والمسؤولين للخروج من الشارع والحصول على ابسط الحقوق المدنية والعيش الكريم.