هل يحافظ سلامة على امتيازاته القضائية بعد انتهاء ولايته؟
أسبوعان يفصلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المطلوب دولياً، عن موعد انتهاء ولايته. في الداخل، تتزايد العوائق التي تضيّق سبل المحافظة على استقرار الدولار بعد نهاية تموز الجاري، ووسط انعدام فرص تجديد ولاية الحاكم، تطرح بعض الأسئلة داخل أروقة قصور العدل حول كيفية متابعة ملف الحاكم قضائياً بعد انتهاء ولايته. فهل سينقض القضاء اللبناني على سلامة؟ وهل ستتلاشى مخاوف القضاة من الحاكم؟
سيناريو أول
تُجمع بعض المراجع القضائية الرفيعة على مسار متوقع، وهو زوال “الامتيازات” التي تمتع بها الحاكم سابقاً، لتصبح حالته مماثلة لأي مواطن لبناني يمثل أمام القضاء اللبناني من دون أي غطاء سياسي أو أمني.
بمعنى آخر، السيناريو المتوقع بعد نهاية تموز، أن تتغير أطُر التعاطي مع الحاكم في ملفه القضائي اللبناني، حيث أن مخاوف القضاة، التي لم تكن مقنعة أو مبررة في الكثير من الأوقات، والتي قضت بمحاباة سلامة وبمجاملته خوفاً من تفلت السوق السوداء ووصول الدولار الأميركي إلى عتبة الـ 200 ألف ليرة، ستزول.
في الأول من آب المقبل، قد يتحول الحاكم إلى “مطلوب دولي” لا يتمتع بأي تغطية سياسية ولا “واسطة” استثنائية. ومن المتوقع عدم تكرار المشاهد المسربة من مسرحية استقباله الهزلية، فلا خوف من تأثيره على تفلت سعر الصرف الرسمي، ولا خوف على السوق السوداء أو لا داعي للهلع على مصير صيرفة والسياسة النقدية في لبنان.
ببساطة، سينتهي مسلسل الإجراءات الأمنية المشددة، ولن تتوزع العناصر الأمنية في كل أرجاء قصر العدل وأمام أبواب المصاعد لحماية الحاكم ومتابعة خطواته، ولن يستمر سلامة في التنقل خلسة داخل قصور العدل، كشخص خفيّ يتحاشى عدسات الكاميرات التي تترصده، خصوصاً في حال جرى نزع العناصر الأمنية الموكل إليها مهمة حمايته.
الاعتداء على الحاكم؟
في المقابل، رجحت مصادر قضائية أخرى بقاء الوضع على ما هو عليه، وضرورة المحافظة على هذه الإجراءات المتخذة لحماية سلامة، وذلك تحاشياً لأي “إساءة” قد يتعرض لها داخل قصر العدل من بعض المواطنين، على سبيل المثال لا الحصر.
لذلك، السيناريو الثاني المرجح بعد نهاية تموز، قد يترجم بتكثيف الإجراءات الأمنية خلال تواجد سلامة وأفراد عائلته داخل قصر العدل، وذلك حرصاً على منع أي اعتداء لفظي أو جسدي على الحاكم من قبل بعض المواطنين خلال تواجدهم داخل قصر العدل.
تشديد الإجراءات الأمنية داخل أروقة القضاء اللبناني، وفقاً للمراجع القضائية، كان ولا يزال يهدف لحماية سلامة. وهذا يعني أن أركان المنظومة تكثف عناصر حمايتها تجنباً لمواجهتها من قبل الناس المسلوبة حقوقهم كما أموالهم.
في حالة سلامة، من الممكن أن يتعرض لإهانات لفظية من الفئات المفقرة التي سرقت وديعتها عنوةً، سيما أن عبارات سلامة الاستفزازية التي يكررها في مقابلاته التلفزيونية قد تجعله عرضةً للشتائم وقد تلحق به الإهانات. فعبارة الليرة بخير في خضم الانهيار الاقتصادي لا تزال تحدث جدلاً واسعاً بين اللبنانيين، وعبارة “بكرا بيتعودوا” لم تُنس بعد.
على هذا الأساس، وحرصاً على تجنب أي احتكاك أو مواجهة بين حاكم مصرف لبنان والمواطنين، قد يستمر القضاء اللبناني في تشديد الإجراءات الأمنية لحماية الشخصيات التي تعتبر غير محبوبة، خلال تواجدها داخل القضاء اللبناني.
تبدو الأمور مبهمة نسبياً خلال الأسابيع المقبلة. الأكيد أن سلامة سيواظب على المثول أمام القضاء اللبناني في جلساته المقبلة، فمحاولات تهربه من الجلسات لن تجدي نفعاً.
في السياق نفسه، من المتوقع أن يجرّد الحاكم من عناصره الأمنية في نهاية تموز. في حين تتوقع بعض المصادر المتابعة لملف سلامة بأن يتم استبدالها بمجموعة خاصة لحمايته ومواكبته في تحركاته، خصوصاً أن مخاوفه ستزداد بعد انتهاء ولايته.
ووفقاً للمراجع قضائية التي صرحت سابقاً بأن ما من أحد سيتمكن من توقيف الحاكم داخل قصر العدل، وإن صدرت بحقه مذكرات توقيف محلية أو دولية، فهي اليوم تجزم بأن الحالة الوحيدة الاستثنائية التي سيجرى فيها توقيف الحاكم أو إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه في الملف اللبناني، ستكون بعد اعترافه بأنه “لص اختلس من المال العام وغسل الأموال”، وهو الأمر الذي لن يحصل أبداً، فبمنظور الحاكم هو بريء من كل الجرائم المالية.
ستتبلور الصورة داخل القضاء اللبناني في بداية شهر آب المقبل. قد يُجرّد الحاكم من الامتيازات التي يتمتع بها داخل أروقة قصر العدل، ولكنه سيحافظ على “ضمانة” عدم توقيفه التي يجرى الاتفاق عليها مع القضاء اللبناني قبل موعد أي جلسة.
على أي حال، المؤكد اليوم أن القضاء اللبناني لن يصدر مذكرات توقيف بحقه في الأسابيع المقبلة، وبالتالي لن يُزجّ الرجل الاستثنائي في السجن ولن يسمح بالتعرض له. في المقابل، سيستمر القضاء الأوروبي في التوسع بتحقيقاته في ملف الحاكم وعائلته سعيًا لإثبات التهم وإدانتهم.
المصدر : فرح منصور – المدن