أحوال الجنوبيين تزداد صعوبة وسط غياب الدولة…«المساعدات لا تصل إلّا بالقطارة ولا تصل إلى كل الناس»
كتبت رمال جوني في صحيفة نداء الوطن:
لا يبدو أننا أمام هدنة قريبة، الأمور تتّجه نحو التصعيد، وقد شكّل اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري نقطة تحوّل في مسار المعركة الدائرة. الحرب اليوم ليست باروداً وصواريخ، بل هي حرب معيشية وحرب على النازحين، ممّن دفعت بهم المعارك لترك منازلهم والبحث عن أماكن آمنة.
آلاف النازحين هجروا قرى الحدود، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه إلى ما قبل التحرير، حيث كان الشريط الحدوديّ معزولاً عن محيطه. يأبى كثر من أبناء تلك القرى هجرها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والخشية من معاناة إثر النزوح.
انتظرت سميّة، وهي أم لخمسة أولاد، 85 يوماً في بلدتها الطيبة قبل أن تقرّر النزوح، فالحيّ الذي تسكن فيه يقع عند أطراف البلدة، ويواجه مباشرة موقع مسكاف عام الإسرائيلي. رفضت بداية أن تعيش معاناة النزوح وآفات الواقع المعيشي الصعب، بقولها «في المنزل مونة وطعام، يكفي أنك تجد تدفئة». لولا تصاعد وتيرة القصف لما تركت المنزل، تقول بحرقة «ولكن فرضت علينا الظروف قهراً».
تشاطرها ابنتها الرأي، فهي فتاة يافعة تدرك صعوبة أن يتخلّى المرء عن بيته، فوفق سارة، إنّ أصعب ما واجهته في أيام النزوح القصيرة هي البرد القارس، فلا تدفئة ولا فرش داخل المنزل الذي استضافهم، اغتنمت فرصة الهدوء النسبي وقصدت الطيبة مع زوجة أخيها «كانت المسيّرات تحلّق فوقنا مباشرة، شعرنا وكأنها ستقصفنا بين الحين والآخر، التنقّل صار صعباً، ولكن علينا إحضار بعض الضروريات المطلوبة، لأنّ المساعدات لا تصل إلّا بالقطارة، ولا تصل إلى كل الناس».
لم تخلُ الطيبة من سكانها بعد، فقرابة 40 في المئة منهم ما زالوا يرفضون فكرة النزوح، تبعاً لرئيس البلدية عباس دياب، مؤكداً «أنّ البلدية على جهوزية تامة لمواجهة أخطار الحرب».
من أصعب أزمات قرى مرجعيون فقدانها مستشفى مجهّزاً قادراً على مواجهة آثار الحرب، فكل الأصوات التي رفعت للمطالبة بدعمه ذهبت أدراج الرياح، غير أنّ دياب يؤكد «أننا لسنا في حاجة الى مستشفى مرجعيون، عملنا على تجهيز المركز الصحّي في البلدة بأحدث التقنيات، وفيه كادر طبي وتمريضي، إضافة إلى الأدوية».
اللافت في قرى الحدود أنّ بلدياتها عملت على تطويرها وإنمائها، فلا يشكو الأهالي من تقنين في المياه أو الكهرباء، حتى شبكات الطرق جيدة، فمن النادر أن تواجه حفرة أو طريقاً غير صالحة للسير، خلافاً لحال قرى النبطية التي استضافت حتى الساعة ما يقارب 22 ألف نازح يواجهون واقعاً معيشياً صعباً.
بطبيعة الحال، تضرّرت شبكات الكهرباء جرّاء القصف المتواصل، وهو أمر تجرى متابعته بشكل متواصل، كما يقول دياب الذي يحرص على تأمين الدعم للصامدين، لافتاً إلى أنّ شبكة الإرسال أيضاً تعرّضت للقصف، ما أثّر على الاتصالات في البلدة، ويردف «نحاول إصلاح أعطال الكهرباء سريعاً، لأنها تؤثر في عملية ضخّ المياه، فإحداهما ترتبط بالأخرى، وغيابهما يؤثر في حياة الناس».
لا يعتمد دياب على مساعدات الـNGOS فهي ما زالت شبه معدومة، يقول «إنّ التكافل الاجتماعي بين أبناء البلدة عزّز الصمود، حيث يتمّ دعمهم وتوفير الطعام والأدوية لهم، ولولا هذا التعاضد لكانت علت الصرخة، خاصة أنّ ظروف الناس ليست جيدة». ويشير إلى أنّ «الحركة الاقتصادية شبه مشلولة في الطيبة، غير أنّ بعض الدكاكين والمحال تفتح أبوابها». ما يستغربه دياب هو غياب الدولة الكلّي، يقول «هذا الأمر مستهجن جدّاً، حتى الناس يستغربون هذا الجفاء والتخلّي عن مسؤولية الدولة تجاه أهلها».
في المحصّلة، الحرب الاقتصادية المقرونة بالحرب العسكرية تثقل كاهل الناس كلهم، والصرخة تعلو، خاصة مع تسجيل ارتفاعات غير مبرّرة في أسعار السلع والخضار منذ بداية السنة الجديدة، في وقت يرزح المقيم والنازح تحت وطأة أزمة معيشية تتفاقم يوماً بعد آخر. فهل تشهد الأيام المقبلة تحرّكاً لخلية أزمة الدولة، ومن خلفها المجتمع الدولي؟ أم تبقى الأذن الطرشاء هي السائدة؟