الشيخ قاسم بيضون تاريخ كبير في خدمة الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة الاميركية
15 أبريل، 2015
512
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ قاسم بيضون العاملي .
هو الشيخ قاسم بن محمد بن إبراهيم حجازي بيضون العاملي ، عامله مولاه بلطفه .
الولادة والنّشأة :
ولدتُ من أبوين مؤمنين محبين للنبي محمد وللأئمة الأطهار صلى الله عليه وعليهم أجمعين ، وذلك في 15نيسان 1961 م الموافق 28 شوّال 1380 هج . في بلدة (الشهابية) – قضاء صور- من (جبل عامل) المسمى جنوب لبنان حالياً .
نشأت وترعرعت في عائلة متواضعة تعيش بما تحصّله من عملها بالزراعة ونتاج التين والزيتون ، وما تزرعه في الأرض من محصول التّبغ وبعض المزروعات الصيفيّة كحياة أغلب أهل جبل عامل وقتها ، وكنت في صغري أخرج مع أصدقائي لرعي البقر في الهضاب الواقعة في أطراف بلدتنا ، وذلك في أيام عطلتي المدرسيّة ، فكانت هذه فرصة لي لأعيش في أحضان الطبيعة الهادئة بين الورود والأعشاب الخضراء والصخور التي كانت تكسو بعض جوانبها شتلات النرجس وأزهار القندول العطرة ، ولا زالت تلك الأيام الحلوة والذكريات الطيبّة ماثلة في ذهني ، ولا زلت أحنّ إلى أصدقائي الذين كنت أخرج معهم إلى المرعى .
الدراسة العصريّة الأكاديميّة
دخلت مدرسة البلدة الرسمية بعد أن تجاوز عمري الخمس سنوات ، وتعلّمت بها فأكملت مرحلة التعليم الإبتدائيّة والتكميليّة باهتمام وجديّة ، ثم ذهبت لأكمل دراستي الأكاديميّة في ثانويّة ( جويّا ) الرسميّة ، فدرست فيها سنة واحدة (بكالوريا – قسم أول ) ثم انصرفت عن تعلّم العلوم العصريّة ، وارتأيت أن أكمل دراستي للعلوم الدينيّة بكلّ شغف ومحبّة لعلمي بأن العلوم العصريّة لا تحقق لي أمنية القرب من الله وخدمة الدّين والمذهب والمجتمع المؤمن .
الإلتحاق بالحوزة العلميّة :
سافرت إلى النجف الأشرف عام 1977م ، وأنا إبن خمسة عشر عاماً ونيّف ، لأبدأ العلوم الدينيّة بتشجيع من أهل بلدتنا ، وبالأخصّ من العلّامة آية الله الشيخ حسن العسيلي (قدِّس سرّه )، وأخيه العلّامة الحجّة الشيخ أحمد العسيلي (دام بقاه) .
وعندما وصلت إلى (النجف الأشرف ) ، بدأت بدراسة المقدّمات فدرست كتاب الآجروميّة وبعدها كتاب قطر النّدى في النحو ، والمسائل المتنخبة في الفقه ، ولبست العمامة بعد هذه المرحلة التي لم تتجاوز العام الواحد ، عند زعيم الحوزة العلميّة يومها آية الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله تعالى عليه) ، وكان احتفال لبسنا للعمامة في تلك الليلة في سجن البعثيين في منطقة (الحنّانة ) ما بين النجف الأشرف والكوفة ، حيث استدعاني – مع بعض الإخوة من الطلبة – ثلاثة من رجال الأمن التابعين لحزب البعث العراقي لنمضي ليلتنا هناك ، ومن ثمّ أخذونا فجراً إلى السجن (ببغداد) لتبدأ عمليّة الإهانة، والشتم ، والضرب والتعذيب ، والتهديد بالذّبح لي ولكل من كان معنا من رجال الدّين، وبقيت في السّجن ليومين ، ولم يكن جرمي إلّا لبس العمامة والمجيء إلى الحوزة العلميّة لطلب العلوم الدينيّة ، ثم أخرجوني إلى لبنان بغير العمامة والزيّ الديني ، حيث أجبرني البعثيّون ومن معي على نزعها في السجن ، ولم أعاود لبسها في لبنان في هذه الفترة ، لعلمي بأن لبس العمامة مسؤوليّة شرعيّة ، ولم يكن عندي – في تلك الفترة القصيرة من الدراسة – المؤهّلات الكافية لإجابة الناس على متطلباتهم وأسئلتهم الدينيّة ، ومع هذا بقيت فكرة مواصلة الدراسة الدينيّة قائمة في فكري بكلّ حماسة ورغبة ولم أتراجع عمّا وفقني الله تعالى إليه .
الدراسة الحوزويّة في بيروت :
في أواخر العام 1978 م التحقت بمجموعة من طلاب العلوم الدينية معظمهم من بلدتنا ، كان يرعى تحصيلهم الدّيني ويتكفل بهم آية الله المرحوم الشيخ حسين معتوق (قده) ، كانوا قد اتخذوا من شقة في المبنى التابع والملاصق لمسجد (الشيّاح) مقراً لدراستهم وسكنهم ، وقد التحقت بهم دراسة وسكناً لفترة لم تتجاوز السنة الواحدة ، ومن هنا قرّرت الذهاب إلى حوزة (قم) لأتفرّغ بشكل تام للدراسة الحوزويّة هناك ، بعيداً عن الصوارف والإنشعال بالأهل والأصحاب .
الدراسة الحوزويّة في (قم المقدّسة)
في 29 أيار 1979 ميلادي الموافق 2رجب 1399 هجري ، غادرت إلى موئل العلم والعلماء ، عش آل محمد ( قمّ المقدّسة – إيران) برعاية من آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي – حفظه الله – وكفالته ، وبدأت بمتابعة دراستي في المقدّمات – فدرست في النّحو شرح ألفية إبن النّاظم ، ومغني اللبيب لابن هشام ، عند العلامة الحجّة الشيخ عبد الرسول البيابي القطيفي ، ودرست المنطق للمظفر وشرح مختصر المعاني للتفتازاني وأصول المظفّر والروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة للشهيدين ره عند العلامة الحجّة السيد محمد الترحيني العاملي
. وكان المشرف على دراستي وملاحظة بعض كتاباتي للدروس سماحة آية الله السيّد جعفر مرتضى العاملي (دام بقاه) .
وبعد هذه المرحلة من الدراسة وقد مضى على التحاقي بحوزة (قم) مدّة أربع سنوات ، عزمت على إعادة لبس العمامة فذهبت إلى (طهران) حيث إقامة الإمام روح الله الموسوي الخميني (قده) وكان ذلك عام 1983 م ، فوضع العمامة على رأسي بيديه المباركتين بعد أن قرأ عليها شيئاً من الأذكار ، ودعا لي بهذا الدعاء (موفَّق ومؤيّد باشيد) .
وهكذا تابعت دراستي في السّطوح ، فدرست الكفاية في الأصول (للآخوند الخراساني ره) بجزئيها عند آية الله الشيخ مصطفى الهرندي (دام حفظه) ، ودرست كتاب المكاسب عند الأستاذ الشهير آية الله ستودة (ره) ، وآية الله السيد أحمد المددي (دام حفظه)، والرسائل عند الأستاذ الشهير آية الله إعتمادي (ره)، وآية الله الشيخ محمد باقر الإيرواني (دام حفظه) .
وأما دراسة البحث الخارج فقد درست عند آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (دام ظلّه) في الفقه : كتاب الخمس وومقدّمات في الإجارة ، وفي الأصول : مباحث الأصول العمليّة لمدة ثلاث سنوات . ودرست عند آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (قدس سرّه) في الفقه من كتاب الطهارة والصلاة لمدة تزيد عن الثلاث سنوات ، ودرست في الأصول من مباحث الألفاظ إلى مقدّمة الواجب عند آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلّه) ، لمدة تزيد عن الثلاث سنوات . ودرست عند آية الله العظمى السيد محمد الرجائي الأصفهاني (دام ظله) ، كتاب الصّوم لمدة سنتين . كما أنني حضرت مدة من الزّمن في بحثي خبر الواحد والبراءة عند آية الله العظمى السيد أبو القاسم الكوكبي (قدس سرّه) .
النشاط العلمي والحوزوي :
كنت في طول الفترة التي قضيتها في الحوزة العلميّة (قم) والتي امتدّت لحوالي الستة عشر عاماً أعطي الدّروس الحوزويّة على مجموعة من الطلاب وأهل العلم ، فقد درّست كل الكتب الدراسيّة الحوزويّة من المقدّمات والسّطوح منذ السنة الأولى التي دخلت بها إلى الحوزة العلميّة في قم المقدسة إلى السّنة الأخيرة فيها .
هذا ، وقد قرّرت وكتبت بعض الأبحاث الفقهيّة والأصولية من أبحاث أساتذتي في مرحلة الدراسات العلميّة العليا (البحث الخارج) ، وعندي العديد من الكتابات الثقافيّة والأخلاقية يحتاج كلّه إلى مراجعة وإخراج ليصار إلى طبعه ، وقد كتبت العديد من المقالات التي نشرت
في مجلة (الإيمان) التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكيّة ، و(الذّكر) التي كانت تصدر في قم المقدّسة ، وغيرها ، وعندي بعض الشّروح والتعليقات على كتاب قطر الندى ، وشرح إبن الناظم في النحو ومختصر المعاني في البلاغة والروضة البهيّة في الفقه والرسائل والكفاية في الأصول ، وكلها تحتاج إلى إخراج وطباعة ، أسأل الله تعالى أن يوفقنا لذلك .
الإجازات :
حصلت على إجازات متعدّدة من الفقهاء والمراجع في الرواية والأمور الحسبيةّ والحقوق الماليّة من آية الله العظمى السيّد محمد رضا الكلبايكاني (قده) وآية الله العظمى الشيخ محمد تقي الفقيه العاملي (قده) وأستاذنا آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (قده) وآية الله العظمى الشيخ لطف الله الصّافي الكلبايكاني (دام ظله) ، وآية الله العظمى السيّد علي الخامنه اي (دام ظلّه) ، وآخرين من العلماء والفقهاء أطال الله في أعمارهم .
النَّشاط الديني والتبليغي :
وفي عام 1996 تركت مدينة (قم المقدسة) ورجعت إلى لبنان (جبل عامل ) لأقوم بواجبي الديني من تعليم الناس وإرشادهم ، وحلّ ما أقدر عليه من مشاكلهم ، كما أنني عملت في بلدتنا والقرى المجاورة من خلال جلسات دينيّة كانت تعقد في المسجد ، أوفي البيوت أحياناً يجتمع فيها المؤمنون فيستمعون لمحاضرة دينيّة توجيهيّة ، ومن بعدها تطرح الأسئلة المختلفة في المسائل الفقهيّة ، والتفسير أو العقائد أوالسيرة ، والتزمت بإمامة الجماعة في مسجد بلدة (كفردونين) المجاورة لبلدتنا ، ولعدّة سنوات ، وكنت في شهر رمضان وعاشوراء أسافر إلى الى خارج لبنان بطلب من جالياتها المسلمة لحاجتهم إلى خطيب حسيني يقدم لهم المجالس الحسينيّة والمحاضرات الدينيّة ، فسافرت لهذه الغاية وعلى عدة مرات إلى (البراغواي ، والبرازيل ، وألمانيا ، وبلجيكا ، وكندا ، ومدينتي : كوتونو ، واللومي في أفريقيا ) .
الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة
هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة ( ولاية ميشغان ) بطلب ودعوة من أبناء الجالية اللبنانيّة المسلمة فيها ، في الحادي عشر من حزيران لعام 2001 م ، لأكون عالما مرشداً دينيّاً ، ومعلّماً لأبناء الجالية ، ومصلحاً أقوم بحلّ المشاكل الإجتماعية ، وقد عملت بهذا النحو في (دار الحكمة الإسلاميّة) لمدة ست سنوات ، وفي (المجمع الإسلامي الثقافي) لمدة ثلاث سنوات ، بعدها انتقلت للعمل الديني في (المركز الإسلامي في أمريكا) والذي أسسه العلامة الشيخ محمد جواد شرّي (ره) في أواسط القرن الماضي ، ولا زلت إلى زمن كتابة هذه الأسطر أعمل فيه مرشداً وخطيباً ، أشارك الناس في جنائزهم بالحضور وإلقاء الخطب والمواعظ ، وقراءة مجالس العزاء، والإستماع إلى شكاوى الجالية والعمل على حلّها، وإجراء عقود
الزواج والطَّلاق ، وأُمِّ المصلِّين – خصوصاً – وقت صلاتي المغرب والعشاء من كلّ يوم مع تقديم حديث ديني للمصلين بين صلاتي المغرب والعشاء ليلة الجمعة ، وقد بدأت بإنشاء حلقة علميّة مصغّرة للدروس في المسائل الفقهيّة والعقائديّة في بيتي يحضرها عدّة من الشباب المثقَّف في جاليتنا الإسلاميّة ، لا تخلو الجلسة هذه من نقاش نافع للحاضرين .
ومن خلال وجودي في الولايات المتحدة الأمريكيّة ، شاركت في العديد من المؤتمرات الدينيّة والثقافيّة ، في ولايات متعددة ، كما دعيت للمحاضرات وإقامة المجالس في مراكز وجمعيّات عدّة في العديد من الولايات الأمريكيّة ، وخصوصاً في شهر رمضان وعاشوراء وأيام الأربعين والفاطميّة ، وقدّمت المجالس والمحاضرات الكثيرة في هذه المناسبات وتمَّ تسجيل الكثير منها ، وهي الآن موجودة ومنشورة على اليوتوب والمواقع الألكترونيّة الأخرى كصوت الشيعة ، وصوتيّات الأبرار وموقع (مرايا الولاء) وغيرها من المواقع .
الخطابة الحسينيّة :
بدأت الخطابة الحسينيّة منذ نعومة أظفاري ولم يكن عمري يتجاوز الثانية عشر عاماً في مسجد بلدتنا حيث كانت تقام عاشوراء في المسجد لعدم وجود حسينيّة في البلدة يومها تستوعب الحضور ، وعندما صعدت إلى المنبر لقراءة العزاء – وكنت صغير السنّ مع حضور حشد من الرجال والنساء ، من الصغار والكبار وكان الحضور داخل المسجد مشتركاً للرجال والنساء يفصل بينهما بستار – إعترض على صعودي للمنبر أحد كبار السنّ قائلاً : كيف يمكن أن تسمحوا ل(صوص) أي – فرخ الدجاجة – أن يصعد المنبر ويقرأ للناس ؟؟
وهكذا استمرّت مسيرة الخطابة الحسينيّة عندي إلى يومنا هذا ، وهو وسام شرف في حياتي وفّـقت له ، وقد بدأت إشارات التوفيق له عندما كنت حملاً في بطن أمي ، حيث حضرت والدتي في مجلس حسيني ، ورأت المعزّين يندبون ويلطمون على القاسم بن الحسن ع فانتابها شعور وحزن عظيمين على مصابه ، وتمنّت لو يرزقها الله ولداً يندب وينعى على الحسين ع وعلى القاسم وشهداء كربلا ، فنذرت لله تعالى نذراً أن إذا رزقها الله ولداً ذكراً فسوف تسمّيه (قاسم) حبّاً بالقاسم بن الحسن ع وسوف تذهب به إلى زيارة السيّدة زينب عليها السلام ويضع بيده مبلغاً من المال في ضريحها ، وفعلاً حقّق الله تعالى لها هذا النّذر وتلك الأمنية ، وأولدتني والدتي وأسمّتني (قاسم) وسافرت بي إلى الشام ، ووضعت مبلغ المال في ضريح السيدة زينب عليها السلام ، ومن هذا ودعاء والدتي – أمدّ الله في عمرها – إجتباني الله تعالى ، ووفقني لأكون من خطباء المنبر الحسيني وعلى مدى أربعين سنة إلى الآن ، قرأت فيها في العشرات من المدن والبلاد ، وسافرت فيها إلى دول عدّة لأقيم مجالس أهل البيت عليهم السلام ، ولا زلت إلى يومنا هذا ، خجلاً من التقصير في حقّهم خائفاً من يوم الحساب راجياً من الله تعالى
أن يشفعوا لي يوم فقري وفاقتي ، ولهذا أقول دائماً : ربِّ إن لم تثيبني بالعلوم الحوزويّة وتعليم الناس وهديها إلى معالم دينها ، فأكرمني بمجالسي المتواضعة التي قدّمتها وسأقدمها – بمشيئتك وعونك – عن الحسين (عليه السلام) في ما بقي من عمري ، وأنت الجواد الذي لا تبخل على عبادك ، والحسين ع باب من أبواب النجاة عندك ، وهو الوجيه لديك الذي أرجو بشفاعته لديك التجاوز والصفح عني ، كما أسألك يا ربّي أن توفقني لخدمة دينك الحنيف ، وأن تثبتني عليه ما دمت حيّاً آمين ، وصلى الله على محمد وآله وأصحابه الأخيار المنتجبين .
كتبه العبد المحتاج إلى رحمة ربّه الغنيّ
قاسم بيضون العاملي
الولايات المتحدة الأمريكيّة : ديربورن (ميشغان) في الثالث من شهر شباط 2015 م