«هناء» ضحية بلا قضية!
لا رادع للــقتل. المحفزات متوفرة لارتكاب الجريمة. أما العقاب فلا خشية منه، عندما تنعدم الرحمة. ســـلاح عشوائي، حفنة مخدرات، لا شفــقة. كان هذا كـــافيا لتسقط ضحية لا «قـــيمة» لها،»امرأة»، من وجهـــة نظر قاتل… لم يفكر إلا كيف يطفئ نور الحياة في زوجته.
قبل أن تثبّتوا أعينكم الحائرة في الفراغ. قبل أن تصمتوا للوهلة الأولى، لتتابعوا روتينكم اليومي بتفاصيله الرديئة في حياة اللجوء. قبل أن تحكموا بانتهاء قضية هناء، كما استسلمتم لموتها وعلقتم خذلانكم على شماعة القدر، افسحوا الممر للطلقة الأولى لتتولى الكلام، فهي الشاهد الوحيد في هذه القضية. بعدها فلتأخذ جمعيات العمل النسوي في الأحزاب اليسارية والإسلامية زقاقا في المخيم، وتترقب مجريات الأحداث مكتوفة الأيدي.
يتوقف الشريط على وضع ثابت. لا جديد في القضية. الضحية تحت التراب. القاتل (زوجها)، ينتظر خلف قضبان القوة الأمنية، تقرير مصيره بفارغ الصبر.. على أمل.
شهر على مقتل هناء المغدورة بطلقة من زوج أصابتها في العنق ذات «خطبة» لأحد أقربائها في حي طيطبة في المخيم. وقتذاك لم يفلح حشد «الفرحانين» بإصابة الزوج ببعض من رحمة أو حياء، بل أصاب نصفه الآخر في مقتل.
فمن هو القاتل؟
س. ع. شاب ثلاثيني يحرس في مكتب أحد الضباط الأمنيين في المخيم، له أربعة أخوة ينتمون لحركة «فتح». عاطل عن العمل إلا ما ندر. يمارس مهنة «الدهان» في بعض الأحيان. لم ينل التعليم الكافي، لا يملك سلاحا شخصيا، وحدها بندقية الحراسة ترافقه في أوقات خدمته في المكتب المذكور. وعلى الرغم من هذه الصفات، فللقاتل تاريخ يعود إلى سبعة أشهر في تعاطي المخدرات. عندما أطلق النار على زوجته فر باتجاه بستان القدس. هناك توارى عن الأنظار لمدة عشرة ايام قبل أن يقع في قبضة القوة الأمنية حيث يقبع حتى اليوم. وبعيدا عن هذه الوقائع أشيع أخيرا عن اختبائه في أحد المكاتب. كما تردد أنه شارك في جنازة صديقه ح. ع. منذ أيام.
أما المغدورة، فهي امرأة من مواليد 1988، أم لثلاثة أولاد أكبرهم يبلغ من العمر ثماني سنوات. على امتداد سني زواجها تعرضت هناء لأبشع أنواع التعنيف اللفظي والجسدي، من قبل زوجها. كذلك فقد هددها أكثر من مرة بالقتل، ما اضطرها إلى تركه واللجوء إلى بيت والدتها في الحي نفسه التي كانت تقيم فيه مع زوجها. لم تستسلم هناء لواقعها، حاولت اللجوء إلى إحدى جمعيات العنف الأسري بتشجيع من أحد المقربين، للتصدي لزوجها، إلى أن قررت الطلاق، لكن قرارها لم يجد طريقه إلى التنفيذ، إذ عاجلها الموت غدرا، بعد يوم على قرارها. الضابط الذي يحرس س. ع. في مكتبه يعلق على القضية قائلا: «نحن اليوم مشغولون بأحداث أهم من قتل هناء. لم تعقد اللجنة الأمنية حتى الآن اجتماعا في ما يخص هناء. تمكنت القيادة من جلبه من خارج المخيم، بعد فراره في محاولة للسفر إلى خارج لبنان». يضيف: «نريد تسوية الوضع وديا وبالطريقة الحبية. والتسامح كي نوفر مصاريف المواصلات والعذاب، وذلك عوضا عن تسليمه إلى الدولة اللبنانية، خصوصا أن عائلتها لم تتقدم بشكوى ضد القاتل».
إضافة إلى ما تقدم، فهذا الضابط (رتبة لواء) ينفي أن يكون القاتل من متعاطي المخدرات ويقول: «س. ع. شاب آدمي ما بيتعاطى أنا بعرفو». أما عن عدم تسليم القاتل إلى الدولة، فيعلل اللواء ذلك بإعادته إلى «حسن النوايا». لكن هذه الحقيقة المؤلمة تصبح اكثر إيلاما لدى معرفة أن اللجنة الأمنية العليا في المخيم قامت منذ أيام بتسليم طاعن م. ع. بسكين في سوق الخضار. كذلك فقد اعتاد المخيم على تسليم مرتكبي الجرائم المدنية إلى الدولة اللبنانية، إلا قضية هناء إذ لا مطالب ولا مدع فيها!
برغم أنها المرة الأولى التي يصل فيها التعنيف الذكوري حد السيف، غير أن هناء كانت الحدث لليلة واحدة فقط. لساعات تحولت إلى حديث الناس، لكنها لم ترق إلى مستوى القضية، ولم تتحول إلى أولوية في برنامج اللجنة الأمنية. وفيما تنشغل قيادات المخيم بأحداث متتالية تبدأ بخلافات فردية وتنتهي باشتباكات مسلحة معتادة، لا تنتهي إلا باجتماعات «ديبلوماسية»، تنتظر هناء في تربتها، لعلّ نافذة تفتح في قضيتها لتنال حقها.