محمد بن سلمان يفتح إمبراطورية «أرامكو» للبيع جزئياً | داليا قانصو
داليا قانصو :
«بحلول سنة 2020، ستستطيع المملكة العربية السعودية العيش من دون النفط».
في الخامس والعشرين من نيسان 2016، ما لم تسمعه من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أو «رجل كل الأشياء»، كما يصفه الديبلوماسيون الأجانب في الرياض، أكثر مما قاله أمس على قناة «العربية»، بدءاً من عرض أقل من خمسة في المئة من أسهم شركة النفط العملاقة «أرامكو» للبيع، إلى إنشاء صندوق استثماري، وصولاً إلى عدم اعتراضه على قيادة المرأة السعودية للسيارة. أحاديثه إلى «بلومبرغ» و «الإيكونوميست» كانت قد كشفت الكثير عن خطته «الإنقاذية» وآرائه «المنفتحة»، وعن «خلايا النحل» التابعة له، والتي تعمل منذ أشهر في العاصمة السعودية من دون كلل و «نوم» للتوصل إلى رؤية طموحة للمملكة. لكن الأمير الشاب، كما قال، أراد أن يتواصل مع السعوديين والعرب عبر «العربية». ما سبق كان رسالةً للخارج، أما أمس فكان موجهاً لـ «أهل بيته».
وسيحتاج المحللون وقتاً لقراءة دقيقة لـ«رؤية السعودية 2030»، لكن المجال المتاح ليس طويلا أمام المملكة النفطية للتخلص من «إدمانها» على الذهب الأسود. ما لم يقله بن سلمان، في الواقع، هو الكثير من القلق حول المستقبل، قلقٌ يساور العائلة الحاكمة حول ديمومتها، وقلق لدى «الغيارى» على السعودية كما للمنتقدين لآل سعود، وهم كثر. أما الوجه الحقيقي لحملة التغيير فتم الإفصاح عنه، في سلسلة إجراءات اقتصادية غير مسبوقة اتخذتها الرياض في الشهرين الماضيين، هي الأولى من نوعها في مواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط والإنفاق الكبير على التسلح، وهي أزمات من «صنع يديها» كما يجزم معظم المحللين، في جزء كبير منها لإدارة حرب إقليمية مع إيران.
وإذا كان الجزء الأكبر من الخطة التي أطلقها بن سلمان أمس يتعلق بطرح أسهم في «أرامكو» للبيع، فإن هذه الخطوة تطرح الكثير من التساؤلات أكثر مما تبددها؟ من سيشتري هذه الأسهم؟ وهل ستؤدي هذه الخطوة إلى رفع منسوب «الشفافية» لأكبر شركة سرية في العالم؟ هل ستبيع السعودية حقاً جزءاً مما «يشكل تماسكها الاجتماعي» ويلعب دوراً رئيسياً في سياستها الداخلية والخارجية؟ وأي أقسام داخل «أرامكو» ستكون مكشوفة؟ ناهيك عن أسئلة لا تحصى حول بنود «الخطة الحلم»، التي فشلت محاولات إصلاح سابقة كثيرة في تحقيق جزء صغير منها.
وأطلقت السعودية أمس خطة اقتصادية «طموحة» لتقليل الاعتماد على النفط، تشمل طرح أقل من خمسة في المئة من شركة «ارامكو» العملاقة للاكتتاب العام، وإنشاء صندوق سيادي بقيمة ألفي مليار دولار.
وتشمل «رؤية السعودية 2030» التي أعدها «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» برئاسة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، وأقرها مجلس الوزراء أمس، مجالات اقتصادية واجتماعية وعسكرية.
وقال بن سلمان بعد إقرار الخطة وتوجيه الملك سلمان رسالة دعم لها في كلمة له خلال جلسة مجلس الوزراء، ان الحصة التي ستطرح من الشركة الوطنية العملاقة ستكون أقل من خمسة في المئة»، معتبراً أن «الرؤية هي خريطة طريق لأهدافنا في التنمية والاقتصاد، وفي غيرها. لا شك بأن أرامكو جزء من المفاتيح الرئيسية لهذه الرؤية، ولنهضة الاقتصاد ونهضة السعودية».
واعتبر بن سلمان ان طرح جزء من الشركة للاكتتاب سينتج «فوائد عدة»، أبرزها «الشفافية، إذ إنه اذا طرحت ارامكو في السوق، يعني يجب ان تعلن عن قوائمها وتصبح تحت رقابة كل بنوك السعودية وكل المحللين والمفكرين السعوديين، بل كل المصارف العالمية»، لافتاً إلى أن ذلك «لا يتم اليوم»، وأن «الطرح سيشمل في مراحل لاحقة الشركات التابعة لأرامكو».
وستخصص عائدات طرح الاسهم لتمويل صندوق استثمارات «قيّم بما بين تريليونين وتريليونين ونصف تريليون دولار»، ما يجعل منه الاضخم عالميا. وأوضح ولي ولي العهد السعودي ان «البيانات الأولية تتكلم أن الصندوق سوف يسيطر على أكثر من عشرة في المئة من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية»، كما «سيكون محركاً رئيسياً للكرة الارضية، وليس فقط للمنطقة».
ورأى انه بعد طرح أسهم «ارامكو»، سيتحول مصدر دخل المملكة، و «بدلاً من ان يكون من النفط، سيكون من الاستثمار».
وردا على سؤال عن تحفظ بعض السعوديين على بيع جزء من الشركة الوطنية العملاقة، أجاب بن سلمان «نحن أصبحت لدينا حالة إدمان نفطية في السعودية من قبل الجميع، وهي التي عطلت تنمية قطاعات كثيرة جداً في السنوات الماضية»، معتبرأً أنه «بحلول سنة 2020، سنستطيع ان نعيش من دون نفط». واعتبر أن «تقديس أرامكو عند البعض مشكلة كبيرة جداً، فالممكلة أسست وأدارها الملك عبد العزيز ورجاله من دون نفط ومن الخطير جداً التعامل مع أرامكو وكأنها دستورنا».
من جهة أخرى، تساءل بن سلمان أمس «هل يعقل ان تكون السعودية في العام 2014 رابع اكبر دولة في العالم تنفق عسكريا، وثالث اكبر دولة تنفق عسكريا عام 2015، وليس لدينا صناعة (عسكرية) داخل السعودية؟»، كاشفاً أنه «نحن الآن بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة مئة في المئة للحكومة تطرح لاحقا في السوق السعودية»، ومشيراً الى ان إنجاز الشركة بلغ مرحلة متقدمة «ونتوقع ان تطلق في اواخر 2017».
وأضاف «لدينا طلب قوي يجب أن نلبيه داخل السعودية، الطلب على الصناعات العسكرية إذا استطعنا أن نرفع هذه النسبة إلى 30 أو 50 في المئة سوف تخلق قطاعاً صناعياً جديداً ضخماً، وسوف تدعم الاقتصاد دعما قويا جداً»، ومؤكداً ان بلاده ستقوم «بإعادة هيكلة العديد من الصفقات العسكرية بحيث تكون مربوطة بصناعة سعودية».
وعلى رغم فقدان برميل النفط زهاء سبعين في المئة من سعره خلال الاشهر الماضية ليتداول حالياً عند مستويات تناهز 40 دولاراً، اعتبر بن سلمان أن الخطة قابلة للتحقق وان بلغ سعر البرميل 30 دولاراً.
أرامكو: مملكة الأسرار
الحديث عن طرح أسهم في “أرامكو” للاكتتاب العام سبق أن أعلن عنه ولي ولي العهد محمد بن سلمان في حديثه لوكالة “بلومبرغ” في الرابع من نيسان. لكن “الإيكونوميست”، في مقابلتها معه في كانون الأول الماضي أفردت موضوعاً في هذا الصدد. وقال بن سلمان خلال المقابلة إن السعودية تفكر بطرح “أرامكو للاكتتاب العام”، لافتاً إلى أن هذا الطرح “لا يهدف فقط إلى دعم سوق المال بل سيجعل أرامكو أكثر شفافية” وسيحارب “الفساد”، وهو ما جدد تأكيده أمس.
وتعتبر شركة “أرامكو” أكبر شركة في العالم. وبحسب مسؤولين، لدى “أرامكو “احتياط هيدروكاربون يقدر بـ261 مليار برميل، أي أكثر بعشر مرات من احتياط شركة “اكسون موبيل”، أكبر شركة نفط خاصة (والتي تساوي 323 مليار دولار). وتضخ النفط أكثر من مما تضخ القارة الأميركية بأكملها، أي حوالي 10.2 ملايين برميل في اليوم، ما يعطيها سيطرة لا موازاة لها على أسعار النفط. وبحسب “بلومبرغ”، فهي تسيطر على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، بعد فنزويلا. ولكن بخلاف “حزام أورينوكو” الفنزويلي، فإن النفط في السعودية أرخص واستخراجه أكثر سهولة.
وتحولت “أرامكو” إلى شركة وطنية (تأميم) في سبعينيات القرن الماضي، بعدما كانت مملوكة من قبل أربع شركات أميركية منذ السنوات الأولى لاكتشاف النفط في المملكة.
قامت الشركة في السنوات الماضية بتوسيع المصافي ومصانع البتروكيماويات الخاصة بها، بما في ذلك المشاريع المشتركة العالمية. وكانت “أرامكو” خلال العام الماضي في مقدمة استراتيجية السعودية الناشئة للحفاظ على حصتها في السوق وضرب المنافسين، حتى لو على حساب انخفاض أسعار النفط. وهي تسعى لأن تكون المكرر الأول للنفط في العالم.
واعتبرت “الإيكونوميست” أنه “حتى مع شفافية أكبر (باعتبار أن أرقام أرامكو اليوم هي الأكثر سرية في العالم، وبحسب بعض المحللين، فإن أرقام احتياطاتها يتم تضخيمها)، فإن مشتري الأسهم سيكون لهم دور ثانوي. فالشركة هي من جزء من النسيج الاجتماعي للسعودية وتلعب دوراً مهماً في بقاء آل سعود في الحكم، كما أن خفض انتاجها لطالما لعب دوراً في السياسة الخارجية للبلاد”.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإن 5 في المئة من أسهم أرامكو تقدر بـ100 إلى 150 مليار دولار، أي ما يفوق قيمة عملاق النفط البريطاني “بريتيش بتروليوم”. وأضافت الصحيفة أن “مسألة مهمة تبقى عالقة هي ما إذا كان طرح الأسهم سيشمل قسم أرامكو الذي يتضمن احتياطها الكبير من النفط الخام”، مشيرة إلى أن رئيس مجلس إدارة الشركة خالد الفالح قدم مؤخراً رسائل متضاربة حول إذا ما كان الاحتياطات مشمولة، أما بن سلمان فلم يتطرق إلى المسألة أمس، رغم قوله إن الأسهم المطروحة هي من ضمن الشركة الأم.
وبحسب مراقبين، فإن الرياض لن تشمل أصول إنتاجها في أي طرح. فأرامكو “هي أساسا أداة لسياسة الدولة، وأساليبها واحتياطاتها من أهم أسرار الدولة”.
ونقلت “بلومبرغ” عن المعلق الاقتصادي السعودي برجس البرجس اعتراضه على طرح أسهم في “أرامكو” للبيع. وقال “نحن نصرخ منذ 46 عاماً لإيجاد بدائل من النفط، فلماذا نعرض اليوم المصدر الأساسي لحياتنا للخطر؟”.
وتساءل الباحث روبن ميلز في معهد “بروكينغز” أنه “إذا كان السعوديون يرغبون في جذب الاستثمارات الخارجية والتكنولوجيا إلى مشاريع النفط والغاز الأولية (استخراج وتطوير وإنتاج النفط والغاز)، وتثبيت مستوى أداء أرامكو، ثمة طرق أكثر وضوحاً للقيام بذلك. وعلى غرار كل من أبو ظبي وبغداد مؤخراً وطهران الآن، تستطيع السعودية ببساطة أن تقدّم للشركات العالمية عقوداً لتطوير حقول مختارة، ربما حقول غاز أو حقول نفط أكثر هامشية”.
المرأة السعودية.. تنتظر!
قال ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمس إنه “لا يعتقد أن المجتمع السعودي على استعداد للسماح للمرأة بقيادة السيارة”.
وأضاف أنه “إلى اليوم، المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة ويعتقد أن لذلك تبعات سلبية جداً. الأمر يعود بالكامل لرغبة المجتمع السعودي. لا نستطيع أن نفرض عليه شيئاً لا يريده، لكن المستقبل تحدث فيه متغيرات، ونتمنى أن تكون متغيرات إيجابية”.
وتشمل الخطة التي أعلنتها السعودية أمس، تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 في المئة الى 30 في المئة.
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-04-26 على الصفحة رقم 11 – عربي ودولي
لمشاهدة نص المقالة في جريدة السفير اضغط هنا