وقائع خطيرة في ملف «الإنترنت»: إسرائيل في كل بيت لبناني
برغم انهماك معظم اللبنانيين باستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، فان جلسة لجنة الاعلام والاتصالات النيابية، امس، شكلت، بما تضمنته من وقائع ورد معظمها في تقرير مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، إدانة للنظام السياسي اللبناني، ولكل منظومات الفساد والزبائنية التي لا تقيم وزنا لأمن البلد ومصالحه العليا. وهي منظومات مصالح عابرة للطوائف والمناطق، والأخطر أنها مقيمة في صلب الدولة، بكل إداراتها ووزاراتها ومؤسساتها من دون استثناء، وتستفيد من «مافيات» و«محميات» لها امتداداتها من لبنان الى روسيا والولايات المتحدة، مرورا بسوريا وتركيا وقبرص.
غير أن النقطة الأخطر التي تضمنها تقرير مخابرات الجيش المؤلف من 15 صفحة «فولسكاب» بعنوان «ملف الانترنت غير الشرعي»، هي المتعلقة باكتشاف معدات إسرائيلية مستوردة مباشرة من شركة «سيراغون» الاسرائيلية التي بدت بصماتها واضحة في ملف التجسس الاسرائيلي في الباروك في العام 2009، الأمر الذي يعيد طرح سؤال انكشاف البلد أمنياً أمام شركة، معظم من يتولى ادارتها هم ضباط إسرائيليون متقاعدون أمضى معظمهم خدمته العسكرية ضمن وحدات للتجسس التقني في قلب المؤسسة العسكرية الاسرائيلية.
أما النقطة الثانية التي ينبغي التوقف عندها، فتتمثل في ضرورة مبادرة الحكومة اللبنانية الى وضع يدها على مجمل قطاع الاتصالات، وبالتالي تكليف الوزير المختص، باعداد استراتيجية للقطاع تضع فيها حدودا لأدوار القطاعين العام والخاص، بحيث يتكامل الاثنان في توفير أفضل وأسرع نوعية خدمة، شرط أن تكون قانونية وتوفر أعلى درجة حماية لأمن الدولة وخصوصية كل فرد في آن معا.
ولا يقتصر الأمر بطبيعة الحال على وزارة الاتصالات، إذ أن منظومة الفساد تملك نفوذاً في معظم مفاصل الدولة، من الجمارك إلى الأمن والقضاء، بدليل أنه يمكن للكشّاف الجمركي أن يهرب قطعة الكترونية بخمسين ألف ليرة، أما المخلص الجمركي فيكفي أن يتقاضى 500 دولار لقاء إدخال محطة كاملة بطريقة غير قانونية!
ويمكن القول إن تجربة لجنة الاتصالات النيابية تستحق أن تشكل نموذجاً للعمل التشريعي الحقيقي، في ظل الموت السريري الذي أصاب مجلس النواب. فهذه الرقابة غير المحكومة بعصبيات السياسة وانقسامات «8 و14 آذار» العقيمة، صارت مطلوبة وضرورية من أجل اعادة ضخ فسحة من الأمل لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، خصوصاً وأن الاعلام يضج يومياً بالفضائح في معظم الوزارات والادارات والمؤسسات.. وكلها تتوقف عندما يضع القضاء يده عليها، والدليل ما حصل فقط في السنتين الأخيرتين.
وحسناً فعل رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله عندما رفض إدانة رئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، كما يشتهي البعض سياسياً، وذلك مخافة تغطية رؤوس كبيرة، كان يجب أن ترمى في السجون منذ لحظة تفكيك شبكة الزعرور. ويسجل في السياق نفسه لنواب كتلة «المستقبل» أنهم شكلوا بحضورهم جلسة اللجنة، أمس، ومداخلاتهم الصريحة، نموذجاً للتفاعل السياسي من خارج المتاريس المألوفة، خصوصاً أن الملف تجاوز البعد المتعلق بعبد المنعم يوسف نفسه.
وبينما كان يُخشى أن تتجه الأمور نحو إقفال الملف قضائياً، في ظل شبهات لم تستثن أي جهاز أمني أو قضائي، فإن مبادرة قيادة الجيش إلى تعميم التقرير، الذي وضعته مديرية المخابرات، على النواب المشاركين في اجتماع اللجنة، أمس، وضع النقاط على الحروف، ورمى الكرة في ملعب القضاء.
أما القضاء المالي والعدلي، فيفترض به أن يستكمل ما أفصح عنه في اللجنة، أمس، من معطيات بحق بعض المتورطين، لكن الأهم أن ينتقل الى موقع المبادر فيستعيد ملف الباروك، ويطلب من الخبراء اجراء تحقيق تقني يقارن بين نوعية التجهيزات التي استخدمت سابقا وتلك التي صودرت مؤخرا.
واللافت للانتباه أن النائب العام الاستئنافي القاضي سمير حمود أبلغ لجنة الإعلام، أمس، أن التجهيزات فككت في محطة الزعرور قبل صدور القرار القضائي.. وأيضاً قبل وصول المكلفين بالمهمة، ما يعني وجود خرق في مكان ما (إما في «أوجيرو» التي كلفت فرقها بالمهمة أو في قوى الأمن أو في الجيش الذي كان مكلفاً بالمساندة، بأرجحية الاحتمال الأول، استنادا الى «داتا» اتصالات يملكها أحد الأجهزة الأمنية).
والخرق لم يتوقف عند حد إبلاغ المتورطين بضرورة تفكيك التجهيزات، بل استتبع بعملية حذف لكامل «الداتا» المتعلقة بهذه المعدات، من داخل هيئة «أوجيرو»، حسب إفادة أحد الضباط المشاركين في الجلسة.
ومن بين المعطيات الخطيرة التي تكشّفت في اجتماع اللجنة، أمس، أن موظفاً في «أوجيرو» كان قد تصرف بالمعدات التي تم تفكيكها في الباروك في العام 2009، وعندما انكشف أمره، حوكم وحبس لمدة سنتين.. والغريب في الأمر أنه أعيد إلى وظيفته نفسها في «أوجيرو» فور إخلاء سبيله (هذه الواقعة أكدها وزير الاتصالات بعد مراجعة الهيئة وتعهد تالياً باتخاذ إجراء بحق الموظف ومن أعاده).
يُذكر أن تقرير الجيش يفيد بأن متهمين باستجرار الانترنت غير الشرعي (عيون السيمان)، استعادا مع شركاء آخرين التجهيزات الخاصة بمحطة الباروك (التجسس)، وعندما تم الكشف مؤخرا على معدات في مكتب شركتهما في الروضة (شرق بيروت)، تبين أنها تتضمن تقنيات مصنعة في شركة «سيراغون» الاسرائيلية من دون وجود أية اشارة للشركة المذكورة (الا من خلال mac address للمعدات…).
ومن الواضح أن تقرير الجيش يصيب «أوجيرو» في الصميم، إذ أنه يفيد أن المعدات من نوع cisco التي «تلزم» الهيئة الموزعين المرخصين كافة بتركيبها من شركة BMB تحتوي processor نوع EZCHIP من صنع اسرائيلي!
ووفق اعترافات موقوف آخر، فان «أوجيرو» تلزم أيضا الشركات بتركيب ASR routers 11x series وما فوق «وجميعها تحتوي «سي بي يو» (CPU ) من نوع EZCHIP الاسرائيلي الصنع!».
وحسب افادة الشخص نفسه «يرجح أن تكون بعض وصلات Dragonwave المستخدمة في لبنان من صنع شركة «سيراغون»(Ceragon ) الإسرائيلية.
يذكر أن وزير الاتصالات أبلغ اللجنة بحيثيات وجود عبد المنعم يوسف في باريس، كما كان أوضح لـ «السفير» أمس. كذلك فسّر حرب غياب توفيق شبارو عن اجتماع اللجنة بسبب مشاركته في مؤتمر للاتصالات في الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المقرر أن تستأنف لجنة الاتصالات مناقشة هذا الملف في الحادي والثلاثين من أيار، بعد انتهاء الانتخابات البلدية.
إيلي الفرزلي
السفير بتاريخ 2016-05-06 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى
http://assafir.com/Article/491872