حسن رابح ينتحر في وداع الراقص
«تسقط الأنظمة» كانت عبارته المفضلة. كان يرددها بجرأة وثبات واضحين كعين الشمس. وكان يلصقها «هاشتاغ» في نهاية كل «بوست» ينشره على الموقع الأزرق. أراد حسن رابح، الشاب العشريني، للأنظمة المستبدة أن تسقط، تماماً. ولكنها لم تفعل. انتظر حسن كثيراً سقوطها ليعلن بجسده المتمايل الفَرِح انتصار الحريات. صمد بوجهها وعاندها بسلاح راقٍ طوّع جسده له، فواجهته بعنف المتلذذ بالدمار والدم، فهوى.
لم يُقدْم حسن، الشاب السوري (24 سنة) على الانتحار يأساً، بل طلباً للخلاص. أراد أن يرى العالم مختلفاً، نابضاً، مبدعاً، أو على الأقل عاقلاً. نزح إلى لبنان في العام 2013، وعلى عكس ما حاول أن يروّج البعض، لم يعش حسن في مخيم، ولم يمت على أثر تعاطي المخدرات، فقد كشف تقرير الطبيب الشرعي أن جسده خالٍ من آثارها. استأجر حسن شقة مع أصدقائه في بيروت، وأمضى الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياته في الحمراء. كان قليل الكلام، شغوفاً وحالماً. لم يخجل يوماً من التعبير عن ذاته، فألقى العديد من الخطابات بجسده، حيث كان الرقص طريقه إلى البوح. درس في المعهد العالي للفنون المسرحية، الرقص، في سوريا، من دون أن يحصل على شهادته، إذ حظي بفرصة عمل سريعاً بسبب نشاطه الاستثنائي. كان فناناً رقيقاً وصلباً في آن، بحسب ما ينقل عنه بعض أصدقائه. عمل حسن مع فرقة «سيما»، ثم بدأ بتعليم الرقص في أحد المعاهد، إلى أن انتقل للعمل مع فرقة «كون»، وقدم عرضه الأخير قبل نحو شهرين بعنوان «فوق الصفر»، استمر لساعة ونصف الساعة من الرقص المتواصل.
إلا أن الحياة لم تكمل ببهجة. غادرت عائلة حسن إلى السويد، وانقطع اتصاله معها لفترة. ثم عانى من مشاكل و «عرقلات» في أوراقه الثبوتية وأوضاعه القانونية في لبنان. شعر صاحب الحس المرهف بجنوح الأنظمة العربية نحو تقييد الحريات الفردية وطمس الهويات الإنسانية، فغدا مناضلاً لا يفوت فرصة المشاركة في أي تظاهرة رفضاً لأي حكم ظالم على امتداد الشرق.
على الرغم من ازدياد الشاب نقمةً وسخطاً لم يشعر أحد من أصدقائه بنيّته الإقدام على الانتحار. حتى حين لخّص حياته القصيرة بسنواتها والطويلة بحكاياتها طالباً السماح، بالقول: «سامحوني يا أحبائي، ولتسقط كل الأنظمة بدءاً من النظام السوري، والنظام الرأسمالي الاستيطاني الإسرائيلي، و «داعش» والمخابرات العالمية ..أنا لست سوى عبد ربي، أموت إلى أن أحيا، لست من طائفة ولا من حزب.. فالحق من الإله الواحد وإلى فلسطين الرجوع».
حال حسن شبيهة لحال غالبية النازحين السوريين في العالم. فقد ضاقت بوجه هؤلاء سبل العيش وندرت أفراح الحياة، فقرر التوقف هنا والرحيل. أراد أن لا يعاين المزيد من الأوجاع ولا أن يُحصي المزيد من القتلى. أمضى ليلته الأخيرة مبتسماً وواثقاً. عند التاسعة والنصف من مساء الأربعاء، صعد حسن إلى السطح حيث يعيش، ورمى بنفسه وهو يرقص كطائر قلّم جناحيه بعدما استودع الحب والأمل في دنيا أخرى سقطت فيها أوجه الظلم والاستعباد كافة.
يوارى حسن رابح في الثرى اليوم في محلة الفاعور في البقاع.