الحريري: البلد سيطير ما لم ننقذه سريعاً!
يبدو الرئيس سعد الحريري في سباق محموم مع الوقت، وهو المحكوم بمهل ضيقة لا تمنحه ترف التمهل. تعشّى في بنشعي مع سليمان فرنجية وتغدّى أمس، في بكفيا مع أمين وسامي الجميل، واستكمل «العصف الذهني» خلال اللقاء المسائي مع النائب وليد جنبلاط، في انتظار الاجتماع ـ المفتاح الذي سيجمعه بالرئيس نبيه بري، فيما لاحت في الأفق بوادر «حلف ثلاثي» غير معلن بين عين التينة والمختارة وبنشعي.
وبرغم أن المؤشرات والاستنتاجات، المتعددة المصادر، تقاطعت خلال الساعات الماضية حول فرضية اقتراب الحريري من لحظة الاعلان الرسمي عن دعم ترشيح العماد ميشال عون، بعد استكمال شروط الإخراج المناسب، غير أن هناك من يستبعد في المقابل ان يكون الحريري حُكما على عتبة تحول استراتيجي من هذا النوع، وإن يكن مُدرجا في المبدأ ضمن مروحة الاحتمالات التي تخضع للدرس.
ويقول أصحاب هذا الرأي، وبعضهم تسنى له لقاء الحريري، ان رئيس «تيار المستقبل» سيقرر بعد انتهاء جولاته اعتماد واحد من الخيارات الآتية:
ـ تجديد تمسكه بترشيح فرنجية والذهاب به حتى النهاية، ضمن اطار التعاون والتنسيق مع شركائه المفترضين في هذه المعركة.
ـ الانتقال بكل ثقله الى دعم ترشيح عون وتأمين انتخابه في اسرع وقت ممكن.
ـ التخلي عن عون وفرنجية والسعي الى إيجاد اصطفاف جديد حول اسم آخر.
وخلال لقاءاته مع بعض القيادات السياسية، تفادى الحريري ان يخوض مباشرة في ما يضمره، لكنه نبّه الى ان وضع المنطقة دقيق جداً، محذراً من تداعياته المتوقعة على لبنان ما لم يتم تحصين الساحة الداخلية انطلاقاً من انتخاب رئيس الجمهورية.
أكثر من ذلك، أبدى الحريري خشيته من أن «يطير البلد»، إذا لم «نسارع الى انقاذه وحمايته من النيران المشتعلة في محيطه»، لافتاً الانتباه الى «ان الاقتصاد يحتضر ومصرف لبنان استخدم مؤخراً آخر أسلحته ووسائله لتحصين الليرة والوضع النقدي ومنع اهتزازهما، كما ان الوضع الأمني حساس ويواجه تحديات مستمرة، أما في سوريا والمنطقة فهناك جغرافيا سياسية جديدة قيد التشكل على أنقاض الحروب المندلعة، وهذه العاصفة يمكن ان تضرب لبنان بشكل او بآخر، بحيث اننا قد ندفع ثمنها ما لم نتخذ الاحتياطات الضرورية في مواجهتها».
وفي انتظار ان يرسو الحريري على «بر»، يؤشر حراكه المكثّف الى ان هامش المناورة لديه ضاق كثيرا، بل لعله انعدم، فلا هو يحتمل البقاء طويلا في دائرة الأخذ والرد فيما جسمه الشعبي والتنظيمي يتآكل يوميا ويدفعه الى ان يحسم خياره سريعاً أيا تكن تبعاته عملا بقاعدة «إذا هِبتَ شيئا فقعْ فيه» على ان تأخذ التفاصيل مداها لاحقاً، ولا ميشال عون يستطيع بدوره أن ينتظره طويلاً وهو الذي ألزم نفسه بروزنامة تصعيدية كان يفترض ان تبدأ اليوم وتصل الى حدها الاقصى في 15 تشرين الاول المقبل، خصوصا ان تعبئة قواعد التيار ليست مهمة سهلة ولا يمكن ان تتم كل يوم.
وما يزيد من إحراج عون ان وزير الدفاع سمير مقبل يتجه الى الاعلان عن قرار التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان، مستفيدا من غياب مجلس الوزراء لإتمام ترتيبات تأجيل التسريح بأقل الخسائر الممكنة. وبرغم ان الخلاف حول هذا الأمر في ظل إصرار التيار على إجراء التعيينات الأمنية كان في الاساس شرارة الازمة الميثاقية التي فجّرتها الرابية، إلا ان عون سيضطر على الأرجح الى ان يمدد مرحلة «ضبط النفس» قليلا، مع احتفاظه بحق الرد المناسب، وذلك في انتظار ان ينهي الحريري مشاوراته ويتخذ قراره النهائي حيال ترشيح الجنرال، فإذا ذهب في اتجاه دعم انتخابه رئيسا للجمهورية يصبح التمديد لقائد الجيش ورئيس الاركان مجرد تفصيل، وإذا رفض تنتقل المواجهة الكبرى حول كل الملفات المتراكمة الى الشارع.
وانطلاقا من رغبة عون في تسهيل مهمة الحريري قدر الامكان وتجنيبها اي ضغط ميداني قد يُستخدم ذريعة لتبرير الانقلاب على المناخات الايجابية المستجدة، فإن الجنرال تفادى إبداء أي رد فعل حاد على عدم انتخابه في جلسة 28 ايلول التي سبق ان صنّفها «التيار الحر» بانها فاصلة، وبالتالي لم تبرز طلائع التحرك الشعبي الذي كان من المقرر ان تظهر عينات رمزية منه بعد الجلسة، من دون ان يعني ذلك تعليق التعبئة الشعبية التي استمرت على إيقاعها المرتفع في الكواليس.
ويبدو ان الحريري تبلغ ان المدى الزمني البرتقالي لـ «الفرصة الأخيرة» ضيق جداً، ولا يمكن الرهان على توسيعه مجدداً، وسط خشية لدى «ضحايا» التجارب السابقة مع الحريري من ان تكون محاولته الجديدة تهدف الى المماطلة والتسويف مجدداً، وصولا الى تنفيس حماسة قواعد «التيار الحر» من جهة، وتبرئة الذمة امام عون من جهة أخرى عبر تحميل مسؤولية إجهاض فرصة انتخابه للآخرين.
يفضل عون ألا يخوض في «محاكمة نيات» مسبقة، خصوصا ان الخبر اليقين لن يتأخر، وبالتالي فهو يميل في «الوقت المستقطع» الى تغليب الايجابية على ما عداها، إنما من دون التسليم بها والاستسلام لها، تاركاً كل الاحتمالات التصعيدية واردة وفق آلية متدرجة سيُباشَر في تنفيذها تباعا، إذا تبلغ جوابا سلبيا من الحريري.
وفي هذا السياق، أكد مصدر قيادي في «التيار الحر» لـ «السفير» ان المنسقيات تعمل كخلية نحل، مشددا على ان جولة الحريري وما يرافقها من أجواء إيجابية لم تتسبب في تسرب الاسترخاء الى صفوف المحازبين والمناصرين، بل إن الكل مستنفر ومتأهب في انتظار إشارة الجنرال.
وأوضح المصدر ان العد العكسي الصامت للانتفاضة البرتقالية بدأ منذ يوم أمس، متوقعا ان يؤجل انطلاق التحرك الشعبي لأيام معدودة فقط، وذلك الى حين اتضاح نتائج جولة الحريري وتبيان خياره الحاسم، لافتا الانتباه الى ان الصورة ينبغي ان تتضح في أواخر الاسبوع الحالي، ليُبنى على الشيء مقتضاه، «ومتى وصلت إشارات سلبية الى ان الميثاق والشراكة لا يزالان في خطر وأن الرئاسة لم تعد مضمونة تحت سقف حكم الأقوياء، فإنه سيُباشَر تلقائيا في تطبيق الخطة الموضوعة».
ويؤكد المصدر ان موعد الحشد الكبير في 15 تشرين الاول يبقى قائما، لكن وجهته تتوقف على مسار التطورات حتى ذلك الحين، فإما ان يكون الحشد للاحتفال بانتخاب عون وإما ان يكون للرد المدوي على منع انتخابه والاستمرار في قهر مكوّن لبناني اساسي.
دلالات التأجيل
أما قرار بري بتأجيل جلسة انتخاب الرئيس الى 31 تشرين الاول المقبل، فهو أوحى بانطباعات متباينة، أحدها مبني على الاعتقاد بأنه ما من شيء منجز وجاهز رئاسيا يستوجب تقريب الموعد خلافا لظاهر الامور، فيما يميل انطباع آخر الى فرضية ان هناك تسوية متكاملة يتم تحضيرها وأن استكمالها يتطلب مزيداً من النقاش ما استدعى ارجاء الجلسة الانتخابية الحاسمة حتى أواخر الشهر المقبل من أجل إعطاء الحيز الكافي لمواصلة «المفاوضات»، بينما «افترض» قيادي في حزب مسيحي ان الغاية من التأجيل «الطويل المدى» تبريد الاندفاعة الايجابية في اتجاه خيار عون، ورجّح آخرون في «التيار الحر» ان بري يسعى الى احتواء التحرك المقرر في 15 تشرين الاول، واختبار الطريقة التي سيتعاطى بها عون مع بدء العقد العادي للمجلس النيابي واحتمال الدعوة الى جلسة تشريع الضرورة في تلك الفترة.
لكن مصادر بري استدركت التفسيرات والتأويلات بالتأكيد لاحقا انه مستعد لتقريب موعد جلسة الانتخاب إذا حصل تفاهم قبل أواخر الشهر المقبل.
وكرر بري في لقاء الاربعاء النيابي موقفه بأن الاتفاق على جملة التفاهمات الوطنية هو المعبر للحل المتكامل الذي يبدأ من رئاسة الجمهورية.
ونقل النواب عنه ان «ليس لديه شيء حتى الآن في شأن ما يثار ويقال حول الرئاسة والحراك الحاصل».
رسالة فرنجية
ولئن كانت حصيلة الجلسة الـ 45 شبيهة بسابقاتها، إلا ان ما ميّزها حضور النائبين اسطفان الدويهي واميل رحمة وهما عضوان في كتلة فرنجية، في اول خرق من نوعه للمقاطعة التي واظب عليها نواب «المردة» منذ الجلسة الاولى.
ومشاركة الدويهي ورحمة أتت بالتزامن مع تغريدة قاسية اللهجة لفرنجية عبر «تويتر»، ورد فيها انه «إذا اتفق الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية، فسيحصد نفس النتيجة حينما سمّى الرئيس (أمين) الجميل عون رئيسا للحكومة عام 1988».
لم يكن صعبا استنتاج ما اراد فرنجية ان يقوله للحلفاء والخصوم على طريقته: أنا مستمر في ترشيحي، ولا تجربوني او تحشروني..