لماذا بدأت العمليات من أرياف إدلب وحمص؟
لم تمضِ بعد ساعات على بدء العملية العسكرية السورية – الروسية الواسعة، والتي تستهدف بشكل مباشر أهدافًا ذات طابع خاص وحساس، وتتضمن بنك اهداف يشمل غرف العمليات العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة ومستودعات الأسلحة ومنشآت سرية لتصنيع الأسلحة الكيميائية.
الضربات التي أُعلن عنها نفذتها طائرات روسية انطلقت من حاملة الطائرات كوزنيتسيف وقاعدة حميميم، اضافة الى رشقات من صواريخ كاليبر المزودة برؤوس حربية زنة 700 كلغ، كون الصواريخ تستهدف اهدافًا اقل من مدى 1500 كلم وانطلقت من القطع البحرية الروسية المتواجدة في المياه الإقليمية السورية.
الأهداف التي تم ضربها يقع اغلبها في ارياف ادلب وحمص، وبعض الأهداف في ريف حلب الجنوبي الأوسط وتحديدًا في منطقة جبل الحص حيث توجد تجمعات ومستودعات لجبهة النصرة، في حين ان غالبية الأهداف تقع في ارياف ادلب واهداف قليلة في ارياف حمص.
في الوقت نفسه وللمرة الأولى منذ شهر، نفذت طائرات من سلاح الجو السوري ضربات انتقائية على مواقع الجماعات الإرهابية في احياء حلب الشرقية وخصوصًا في منطقة مساكن هنانو والحيدرية مبتعدة عن وسط الأحياء الشرقية، كما رافق الضربات الجوية ضربات دقيقة من اسلحة المدفعية لنفس المناطق.
اما وقد بدأت العمليات، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا بدأت العمليات بإستهداف ارياف ادلب وحمص، في حين أنّ الحديث كان يدور حول حلب؟
أولًا لتحقيق عنصر المفاجأة، وهو من اهم العناصر الميدانية والتي سيكون لها وقع كبير على سير العمليات، وثانيًا لأنّ البنية التحتية للجماعات الإرهابية تتركز في المناطق التي تم استهدافها.
وفي نظرة على توزع الأهداف التي تم قصفها في ارياف حلب، يبدو لنا بشكل واضح انها تدعم عملية برية واسعة ستتولى القوات البرية للجيش السوري وحلفائه تنفيذها، حيث كنا امام ضربات استهدفت منطقة الأتارب غرب حلب وهي تعتبر نقطة تجمع اساسية خلفية في الريف الغربي، في حين أنّ مدفعية وراجمات الجيش السوري بدأت باستهداف التجمعات القريبة في الريف الغربي كالراشدين 4 و5 ومناطق كفرناها واورم الصغرى والكبرى، وهذا يعني اذا ما استمرت الضربات رسم اتجاه الهجوم الأول نحو الغرب.
كذلك تم تنفيذ ضربات على منطقة تل حدية جنوب غرب تل العيس، وهي نقطة تشرف مباشرة على طريق ادلب – حلب وهي برأيي ضربات سيتم استكمالها باستهداف تل العيس ومنطقة خان طومان لرسم اتجاه الهجوم الثاني نحو الغرب، والذي قد يتم تطويره نحو الفوعة وكفريا خصوصًا أنّ مدينة بنش التي تحتوي تجمعات كبيرة للجماعات الإرهابية تعرضت وستتعرض في الأيام القادمة لضربات متواصلة بهدف اضعاف قدرة الجماعات الإرهابية فيها على خوض معركة اقتراب للجيش السوري باتجاه الفوعة وكفريا، علمًا بأنّ سراقب واريحا تعرضت لضربات كبيرة اذا ما ربطناها مع تقدم الجيش السوري في الريف الجنوبي لحلب باتجاه كفرحداد وخربة الزواري منذ ايام تعني تقدمًا محتملًا نحو سراقب وابو الضهور في الوقت نفسه.
واذا ما سلكت الأمور هذا المسار، فهذا يعني نقل المعركة من محيط حلب المباشر الى مناطق بعيدة ما يؤمّن طوق امان اكبر لمدينة حلب من الجهة الغربية والجنوبية الغربية ويفتح المعركة مباشرة مع ريف ادلب الشرقي، وهو تطور كبير قد يتزامن مع تقدم لقوات الجيش السوري من ريف اللاذقية باتجاه جسر الشغور للضغط على الجماعات الإرهابية واجبارها على تشتيت جهدها.
في الوقت نفسه ومع بدء الضربات الجوية في ادلب وارياف حلب، حصلت ضربات في ريف حمص الشرقي وهي كناية عن تجمعات كان تنظيم داعش يستخدمها لشن هجمات على طريق خناصر – اثريا بهدف قطع الطريق الى حلب.
الضربات الجوية التي تستهدف مساكن هنانو والحيدرية والبريج، وهي تعتبر الحد الشرقي للأحياء الشرقية وتعتبر الأقرب الى مطار حلب الدولي، تعني ان هذا المحور سيكون اساسيًا في الضغط على الجماعات الإرهابية وتوسيعًا لنطاق سيطرة الجيش السوري في هذا الإتجاه الذي تعتبره قوات درع الفرات التي تبعد عن مدينة الباب حوالي 5 كلم طريقًا رئيسيًا لفك الحصار عن الأحياء الشرقية.
اما لماذا لم تتكثف بعد الضربات على احياء حلب الشرقية، فلأنّ الكثير من العوامل تشكل عائقًا وعلى رأسها تواجد المدنيين بأعداد تصل الى حوالي 200 الف مدني، اضافة الى ان تظاهرات بدأت تحصل بمواجهة الإرهابيين ربما تشكل حالة ضاغطة قد تسرع بخروج المسلحين وتجنب احياء حلب الشرقية الدم والدمار.
نحن إذًا امام عملية واسعة واستراتيجية بقدرات نارية عالية ودقيقة قد تستغرق أسابيع، وستترافق بالتأكيد مع عمليات تمهيد ناري موضعي ستليها عمليات تقدم برية بالإتجاهات التي ذكرناها اعلاه ستخدم بشكل اساسي معركة حلب.