التنجيم .. تجارةٌ رائجة | بقلم فاطمة جواد بيضون
يطالعنا مع نهاية كل عام وبداية عام جديد فرقة متحرّفة التنجيم والتبصير والتنبؤ ، وكأنّ الله خصّهم بعنايته ليكشفوا مستور ومستقبل الناس ، حتى غدت عملة رائجة وتجارة رابحة ، ينتظرهم الآلاف، يتسمّرون أمام الشاشات للإستماع إليهم وإلى تنبؤاتهم …
أهذا ما وصلت إليه الثقافة العربية من الهشاشة بمكان حتى تملّكت مثل هذه السخافات على عقولنا وحياتنا ؟؟؟
وكأن وراء أولئك أجهزة تحاول طمس حقيقة الهوية العربية والثقافة العربية …
فالمشكلة لا تكمن في المنجم فحسب بل بالإعلام أو تحديدا بالوسائل الاعلامية التي تستضيف هؤلاء المنجمين ، بغية حشد اكبر عدد من المتابعين ما يزيد من أرباحهم الاعلانية التي تستغل هذه الامور واصحاب العقول الضعيفة الذين يصدقون هذه الأكاذيب .
فيبدأ المنجّم بسرد مئات التوقّعات ، في معظمها لا يتحقق والبعض الآخر منها يحصل لا لأنّ ذكاءه وتنبؤه صحيحاً ، إنما هناك معطيات أولية تشير إلى حصول مثل تلك الأحداث ، أو هناك جهات مخابراتية تدفع بمعطياتٍ معينة لهم ، والغاية من ذلك كله الهاء المجتمع وإبعاده عن حقيقة الواقع وأنّ الحياة تسير وفق المسببات ضمن خيارات الإنسان وإرادته ، وليس هناك علمٌ يبحث في التنبؤ والتنجيم لأنّ البشر يتحركون وفق أوضاعهم التي يعيشونها في الحاضر ، ويؤسسون للمستقبل ..
سنسرد حالة لإعطاء صورة واضحة عن أكاذيبهم وتخيلاتهم :
قام أحد الاعلاميين يوما بتوجيه سؤال لمنجم على الهواء مباشرة إن كان يعلم أرقام اللوتو وإعطائه مهلة زمنية للتنبؤ بها لكنه بالطبع عجز عن ذلك لأن هذا أمر صعب جدا عليه . لكن التنبؤ بأكثر من 400 توقع في السنة أمر سهل لأنها توقعات هوجاء كاذبة خيالية جنونية لا اكثر … يرمون بتوقعاتهم ولعلها تصيب لو 90% !
لكن المؤسف جدآ أنّ وسائل الإعلام التي تحمل رسالة ثقافية واعية وموضوعية من أجل المساهمة في صناعة الفرد والمجتمع على أسس ثقافية وعلمية بعيدة عن التنجيم والتوقّعات وسخافتها ، نرى بعض هذه الوسائل الإعلامية وكأنها إبتعدت عن جوهر أهدافها وساهمت في تضييع البوصلة الثقافية المحرّكة للمجتمع بشكل سليم وصحيح ….
وراء ذلك الكثير من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟؟
سأحاول تسليط الضوء على حركات بعض المنجمين فيما يتعلق بتنبؤات أمنية مثلا :
فينظر المنجّم إلى الاوضاع الأمنية في المنطقة وتأثيرها ، فبعد تهديد الإرهابيين للضاحية مثلا ، بدأنا نسمع توقعات بتفجيرات في الضاحية ومناطق أخرى ، لكن هل سأل أحدكم أين أصبح توقع أحد المنجمين بحدوث تفجير في صور جنوب لبنان ؟؟ لماذا غفلنا عن أمور عامة عادية ولجأنا الى تصديق اكاذيب ؟
من هنا ، ألفت عناية الإعلام الذي نحترمه أن يوجّه إهتماماته للأمور الثقافية والتراثية والحياتية والإجتماعية ، فضلا عن خلق برامج تحفيزية للشباب من أجل صيانة وحماية المجتمع من تسرّب أفكار واهية وسخيفة لا تساعد على عملية النمو الحضاري والثقافي والعلمي ، الذي نحن في أمس الحاجة إليه في ظل السقوط الفكري والأزمة الكبرى التي يعيشها المثقف العربي بل الثقافة العربية ..
“كذب المنجمون ولو صدقوا “