اسرائيل: حزب الله من أفضل الجيوش في الشرق الأوسط وهو الأكثر خطورة
يواصل الاحتلال الاسرائيلي مواكبة تطور قدرات حزب الله ومفاعيلها الردعية، كما ونوعا. بإقرار العدو، باتت للحزب قدرات جيوش نظامية متطورة، من دون ان يتخلى عن تكتيكاته الهجينة التي تبنى على مزايا قدرات الجيوش وتكتيكات المقاومة.
وبحسب الكاتب الصحافي يحيى دبوق في مقال بصحيفة “الاخبار” فإنه لا يمكن الادعاء أن المواجهة العسكرية الشاملة بين “إسرائيل” وحزب الله باتت مستبعدة بالمطلق في أي وقت. لكن في الموازاة لا يمكن تجاوز انه منذ أكثر من عقد امتنع العدو عن شن حرب في الساحة اللبنانية.
ولفت الكاتب الى ان معهد أبحاث الامن القومي في تل ابيب، المؤسسة البحثية الاولى المتخصصة بالشأن الاستراتيجي في الكيان الاسرائيلي، حاول تقدير التعاظم العسكري لحزب الله، ليس من خلال تعداد القدرة وأنواعها ومراتبها وحسب، بل أيضا بما يرتبط بالبنية التنظيمية والتشغيلية لهذه القدرة، مع بحث في النظرية القتالية التي تحولت من نظرية تفعيل قوة لمنظمة حرب عصابات، إلى نظرية قتالية لكيان مؤسساتي يشبه الجيوش النظامية، بما يشمل استراتيجيا نقل المعركة إلى أرض العدو.
واشار الكاتب الى ان البحث الذي أعده رئيس برنامج الميزان العسكري في الشرق الاوسط في المعهد، يفتاح شابير، حدد غاياته من استعراض القدرات العسكرية لحزب الله، وهو محاولة توصيف هذا التهديد ومرتبته في سلم التهديدات الماثلة أمام سلطات الاحتلال. لكنه أكد، في المقابل، صعوبة تحديد هذه القدرة، ربطا بنجاحات الحزب بصورة عامة، كمؤسسة عسكرية نظامية (جيش)، في الحفاظ على اسراره العسكرية وعلى حذره وأمن المعلومات لديه. بمعنى ان ما هو منشور عنه قليل جدا مقارنة بما لديه من قدرات.
وصدر البحث مع أبحاث أخرى تعنى بالشأن الاستراتيجي والتحديات التي يواجهها الاحتلال الاسرائيلي، في العدد الاخير من دورية “تقييم استراتيجي” ــــ كانون الثاني 2017، تحت عنوان “حزب الله كجيش”. واستعرض القدرة العسكرية للحزب، ضمن ابواب رتبها كالآتي: مقدمة؛ تطور حزب الله ما قبل الحرب في سوريا؛ حزب الله في الحرب السورية؛ البنية والتنظيم؛ التجنيد والتدريب؛ الوحدات القتالية؛ الوحدات المتخصصة؛ صواريخ قصيرة المدى؛ صواريخ بعيدة المدى؛ منظومات دفاع ضد الدروع؛ منظومات دفاع جوي؛ صواريخ أرض ــــ بحر وقوة بحرية؛ سلاح جو (طائرات غير مأهولة)؛ تشكيل مدرعات؛ استخبارات واستخبارات مضادة؛ خدمات اجتماعية ورفاه؛ عقيدة قتالية… وخلاصات.
وإذا كانت القدرات المشار إليه في البحث، بإسهاب معروفة بقدر وتنشر حولها تقارير متتابعة في إسرائيل، الا ان الابرز هو الباب الذي يعرض لعقيدة حزب الله القتالية والتطور الذي طرأ عليها، والخلاصة النهائية التي يرد فيها التأكيد أن الحزب هو القوة العسكرية الاكبر و”الاثقل” التي تهدد “إسرائيل”.
ويشير البحث إلى أن عدد مقاتلي حزب الله، كما قدر عام 2006، لم يتجاوز 1000 مقاتل، فيما هو الآن يزيد على 20 ألفاً، يضاف إليهم عدد غير محدد من الاحتياط يتراوح بين 15 ألفاً و70 ألفاً. وهذا التباين في تحديد الاحتياط سببه أن عدداً من الاحتياط، ممن خضع للتدريبات العسكرية، قد لا يصلح بالفعل لتنفيذ مهام قتالية.
في ما يرتبط بالعقيدة القتالية، يؤكد البحث أن الحزب بعد التدخل في سوريا بات مغايرا لما كان عليه قبل ذلك، وخصوصاً لما كان عليه في حرب 2006. ويشير إلى أن الحزب غير معني بالقتال وفق اسلوب “آلة مبرمجة” تمتثل للأوامر وتتحرك وفقها بشكل مسبق. وهو يختلف عن كل جيوش الدول العربية التي تميل إلى الحفاظ على هيكلية هرمية صلبة، إذ انه يثقف مقاتليه على اتخاذ المبادرة الميدانية، والتمتع بهامش حرية عمل بارز خلال القتال.
وتابع الكاتب ان القتال في سوريا أفاد حزب الله في أكثر من اتجاه وراكم على خبرته الطويلة المكتسبة في مواجهات سابقة مع “إسرائيل”. فمنذ بداية تدخله في سوريا، حرص على قيادة مهمات قتالية مع اسناد لوجستي من الجيش السوري، حتى في أعقاب التدخل العسكري الروسي. من جهة ثانية، طرأ تطور على قدرات الحزب التشغيلية الميدانية، من قيادة وحدات قتالية صغيرة، إلى قيادة وحدات قتالية كبيرة، مع تنسيق قتالي مع سلاحي الجو والمدفعية. هذا يعني أنه بات يشبه الجيوش النظامية الحديثة. لكن ذلك لا يعني انه سيستخدم في الحرب المقبلة مع اسرائيل هذه النظرية ضمن هيكلية هرمية صلبة، وإنما وفق هيكلية مرنة.
وبالتالي، فإن الكيان الاسرائيلي سيضطر لمواجهة جيش منظّم ومدرّب ومصمّم. وستواجه الخبرة العملياتية التي اكتسبها في اطر تنفيذية قتالية كبرى. ومشاركة الحزب في القتال إلى جانب الجيش السوري وفيلق القدس الإيراني، وجنبا إلى جنب مع الجيش الروسي، وفّر له عتاداً وتجربة قتالية لم يكتسبها من قبل.
مع ذلك، قد لا يلزم حزب الله نفسه بأن يواجه الجيش الإسرائيلي وفق اسلوب سوريا، وسيعمد إلى الابتعاد عن المواجهات الجبهوية المدرعة، وسيفضل تفعيل منظومات الصواريخ واستخدام واسع لمنظومات ضد الدروع، أكبر باضعاف مما استخدمه في المواجهات السابقة. الى جانب ذلك، فإنه قادر أيضا على تفعيل جزء من القدرات المتطورة الموجودة في حوزته، وبشكل خاص المنظومات الدفاعية المحمولة على الآليات، والطائرات من دون طيار لجمع المعلومات، وتنفيذ هجمات في عمق الكيان الإسرائيلي.
في خلاصة البحث، يؤكد معهد أبحاث الأمن القومي أن حزب الله قد لا يكون أكبر قوة عسكرية تهدد إسرائيل. ولكن من المؤكد أنه القوة العسكرية الأكثر تصميماً والأكثر مهنية، وأنه جيش من أفضل الجيوش في الشرق الأوسط. وهو جيش استخلص العبر من مواجهاته مع اسرائيل، وعمد الى بناء القوة العسكرية بصورة مهنية مع وسائل قتالية متطورة، وقوة بشرية مدربة مشبعة بالحافزية، الى جانب عقيدة قتالية مميزة.
سنوات من القتال في سوريا أثرت على حزب الله في اتجاهين متعاكسين. من ناحية، تعاظمت قدرته وتزود بسلاح لم يكن لديه سابقاً، كما هي حال المدرعات والدفاع الجوي، مع اكتساب خبرات تشغيلية. وباتت لديه أيضا خبرة في إدارة تنظيمية للمعارك كما هي حال الجيوش المحترفة. من جهة ثانية، توجد تداعيات سلبية على مقاتليه جراء حرب طويلة ليس ضد العدو الذي جرى اعدادهم لمواجهته… وتحديداً ضد مسلمين آخرين، الأمر الذي تسبب بأضرار بالغة (معنوية) للحزب في لبنان والعالم العربي. لكن في حال المواجهة المستقبلية مع إسرائيل، سيعود حزب الله إلى ايديولوجيته وإلى اصوله وبيئته تماما كما عمل في الماضي، وسيعقب ذلك تأييد واسع في العالم العربي، كان يتمتع به قبل الحرب في سوريا.ن التهديد العسكري الأكثر خطورة لإسرائيل.