معركة جرود عرسال ستنطلق
تكثّف الحديث في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية عن قرب إنطلاق معركة القضاء على المجموعات المُسلّحة والجماعات الإرهابيّة التي تختبئ في مناطق جرديّة تصل ما بين جرود عرسال اللبنانيّة وجرود القلمون السوريّة. فهل هذه المرّة المعركة قريبة فعلاً، خاصة وأنّه سبق أن جرى تحديد تواريخ سابقة لإنطلاق الهجوم الشامل في الجُرود، من دون بلوغ مرحلة التنفيذ؟
مصدر أمني مُطلع على الوضع الميداني في المنطقة لفت إلى أنّ القوى المَعنيّة بمعركة الجرود هي الجيش اللبناني والجيش السوري و«حزب الله»، مُشيرة إلى أنّ الجيش اللبناني ـ وبعكس ما يُشاع، لن يُبادر إلى إطلاق أي عمليّة واسعة وشاملة نحو مواقع المُسلّحين، بل سيكتفي بُمواصلة سياسته الأمنيّة الحالية القاضية بالدفاع عن الحُدود اللبنانيّة والتصدّي بحزم لأي محاولة تسلّل، وبضرب أي تجمّعات أو تحركات مشبوهة للمُسلّحين، وكذلك بتنفيذ عمليّات أمنيّة مفاجئة ضُد مواقعهم – كلّما سنحت الفرصة، وذلك بناء على عمليّات رصد دقيقة يقوم بها، إضافة إلى تقارير إستخباريّة تصل إلى قيادته بشكل دَوري. وأضاف المصدر نفسه إلى أنّ عمليّات القصف الصاروخي من الجوّ، والقصف المدفعي والصاروخي من البرّ، والهجمات المُباغتة على مواقع مُحدّدة للمُسلّحين، والتي دأبت وحدات الجيش اللبناني على تنفيذها بشكل مفتوح في الأشهر القليلة الماضية، تصبّ كلّها في خانة إضعاف الجماعات الإرهابيّة في المنطقة، ومنعها من توجيه أي ضربة ضُد العسكريّين أو المدنيّين على الحدود.
وتابع المصدر الأمني عينه أنّ الجيش إستكمل بناء شبكة دفاعيّة مُتماسكة في المنطقة، تشمل مجموعة كبيرة من أبراج ونقاط المُراقبة والرصد، ومجموعات عسكريّة كاملة من المُشاة والقوى المُدرّعة وقوى الدعم الصاروخي والمدفعي، وهي قادرة على صدّ أي هجوم أو تسلّل، وعلى كشفه من مسافة بعيدة، مع إمكان طلب الدعم من قوى عسكريّة مُرابطة في أماكن جغرافيّة قريبة، والحُصول على إمداد لوجستي سريع، لا سيّما من مخازن سلاح جرى إستحداثها في قاعدة ريّاق الجويّة. وقال المصدر إنّه بسبب دقّة الوضع على الجبهات الحُدوديّة، جرى إستقدام وتخزين كميّات كبيرة من الذخائر في البقاع، بدلاً من مخازن الجيش المركزيّة في منطقة اللويزة ـ قناطر زبيدة. وأضاف أنّه على الرغم من تمتّع قوى الجيش في البقاع حالياً بالقُدرة على شنّ هجوم كبير وشامل على مواقع المُسلّحين، فإنّ الوحدات العسكريّة الرسميّة لن تقوم بأي هُجوم بهذا الحجم في المُستقبل القريب بسبب غياب القرار السياسي بذلك، لكنّها بالتأكيد تملك كل الصلاحيّات للتعامل تلقائيًا مع أي مخاطر قد تُهدّد المناطق الحُدوديّة.
وأضاف أنّ القيادة العسكريّة الرسميّة، وبالتزامن مع تحصينها خطوط الدفاع عن القرى والبلدات الحُدوديّة اللبنانيّة، تتابع أيضًا مُحاولاتها لكشف مصير العسكريّين المُختطفين منذ مطلع آب 2014 لدى تنظيم «داعش» الإرهابي، وتحرص على أن يتضمّن أيّ إتفاق لإخراج الإرهابيّين من المنطقة كشفًا لمصير هؤلاء العسكريّين.
وأكّد المصدر الأمني المُطلع أنّ المُعطيات التي بحوزته تؤشّر إلى تحضيرات مُتواصلة يُجريها كل من الجيش السوري و«حزب الله» لإطلاق معركة جرود القلمون، لجهة حشد وتحضير العديد والعتاد في مضايا والزبداني ورنكوس وغيرها من المناطق، علمًا أنّ هذا الأمر يجري بالتزامن مع مُحاولات أخيرة لإقناع المُسلّحين بالخروج من المنطقة وفق إتفاق إنسحاب سلمي، كما جرى في العديد من المناطق السورية الأخرى في المرحلة الماضية، والتي كان آخرها إنسحاب المُسلّحين من «وادي بردى» على سبيل المثال لا الحصر. ويتم حالياً التفاوض عبر طرف ثالث لإقناع مُسلّحي «جبهة النصرة» بالإنتقال إلى منطقة إدلب، بالتزامن مع محاولات تواصل مع إرهابيّي تنظيم «داعش» لإقناعهم بالرحيل نحو الرقّة. وأضاف المصدر أنّه حتى الساعة لا نتائج إيجابية بشأن الإنسحاب الطوعي من المنطقة، في ظلّ بروز صُعوبة التواصل التفاوضي مع «داعش»، الأمر الذي يزيد من ضبابيّة المشهد ككل.
وأوضح المصدر نفسه أنّه في حال فشل المُفاوضات غير المُباشرة الحالية، فإنّ الهجوم السوري المُرتقب والمدعوم من «حزب الله» ضُدّ مُسلّحي الجرود الذين يُقدّر عددهم بنحو 1200 عنصر، سيَحظى بالضوء الأخضر في المُستقبل القريب، وستكون وجهته من داخل منطقة القلمون السورية نحو الحدود اللبنانيّة. وأضاف أنّه بناء على ذلك ستكون مُهمّة الجيش اللبناني إفشال إنسحاب وتسلّل أي مُسلّح إلى داخل عرسال أو إلى أيّ من المُخيّمات السورية المُستحدثة في جوانبها ومحيطها وفي جرودها، بينما سيتكفّل «حزب الله» بمنع إنسحاب وفرار المُسلّحين إلى أي منطقة حدوديّة أخرى، مع التذكير أنّ الجيش السوري و«الحزب» يُسيطران على خط أمني حُدودي من الجانب السوري مع لبنان، يمتد على أكثر من ثلاثة أرباع الحدود المُشتركة بين البلدين، لا سيّما في السلسلة الشرقيّة وُصولاً إلى أغلبيّة هضاب وتلال القلمون. والمنطقة التي جرى تأمينها عسكريًا، تمتد من تلكلخ على حُدود عكّار حتى القُصير على حدود الهرمل، بينما لا تزال المجموعات المُسلّحة المُناهضة للحكم السوري تُسيطر على الجزء الشمالي الغربي من جرود القلمون، وتحديدا على أجزاء من قارة والجراجير، وعلى الجزء الشمالي الشرقي من جرود عرسال.
وختم المصدر الأمني كلامه بالتذكير أنّ الوضع في سوريا شديد التعقيد، بسبب تعدّد اللاعبين الإقليميّين والدَوليّين على الساحة السورية، الأمر الذي يجعل من أيّ مسألة، مهما كانت محدودة ومحصورة جغرافياً، مُرتبطة بتوازنات دقيقة، وبحركة إتصالات واسعة، وباعتبارات تتجاوز المعايير العسكريّة وتصل إلى «ضوء أخضر» من القيادات السياسيّة والأمنية العليا. وأضاف أنّ هذا الأمر بالتحديد هو الذي يُؤخّر إنطلاق معركة الجرود فقط لا غير.