قضية الطفلة صوفي: «نقابة الأطباء» في قفص الاتهام
وضع القضاء اللبناني حدّاً لمحاولات «نقابة الأطباء» تمييع قضية الطفلة صوفي مشلب، عبر الإيهام بأن الضرر الدماغي والكلوي الدائمين اللذين أصاباها لا علاقة لهما بأي خطأ طبي ارتكب في حقّها خلال فترة علاجها في مستشفى القديس جاورجيوس (الروم). فقد ألزم رئيس محكمة الاستئناف في بيروت، القاضي أيمن عويدات، نقابة الأطباء بتسليم تقرير أعدّته «لجنة التخدير والإنعاش» فيها، بعد ثمانية أشهر من التمنّع عن ذلك، وهو تقرير يؤكّد أن ما حصل مع صوفي في عمر الشهر سببه إهمال فاضح وأخطاء طبيّة متراكمة قبل وخلال وبعد العمليّة التي أجريت لها من دون موافقة أهلها
فيفيان عقيقي
أصدر رئيس محكمة الاستئناف في بيروت، القاضي أيمن عويدات، قراراً يُلزم «نقابة الأطباء» بتسليم تقرير «لجنة التخدير والإنعاش» إلى ذوي الطفلة صوفي مشلب.
هذا التقرير أعدّته اللجنة المُشكلة من «لجنة التحقيقات المهنية» في النقابة لدراسة ملف الطفلة خلال فترة علاجها في مستشفى القديس جاورجيوس في حزيران 2015، وهو يشكل فضيحة للنقابة، بحسب الأهل، كونها تجاهلت نتائجه كلياً عند إصدار تقريرها النهائي في كانون الأول 2016، وحاولت حماية المستشفى والاطباء الذين تدخّلوا في علاج الطفلة وأجروا عملية غير طارئة لها وتسبّبوا في ضرر دماغي وكلوي دائمين لها، ما حرمها الحركة وعطّل حواسها طيلة عمرها.
التقرير المخفى
يُعَدُّ هذا التقرير من المستندات الأهمّ في ملف الطفلة صوفي مشلب، وهو ما عمدت النقابة إلى إخفائه لأكثر من ثمانية أشهر. بحسب الاهل، يتضمن التقرير المذكور ملاحظات تفيد بأن الطفلة كانت ضحية سلسلة من الأخطاء الطبيّة، ويعيد سبب الضرر الدماغي والكلوي اللذين أصاباها في عمر الشهر، إلى التسرّع في إخضاعها لعملية جراحية غير طارئة، وإلى عدم معالجة فقر الدم الذي تعاني منه أو نقل كميّات الدم اللازمة لها، إضافة إلى عدم مراقبة حالتها خلال العملية، كما تنص أبسط المعايير الطبيّة، ولا سيما عدم قياس الضغط لافتقار المستشفى إلى الجهاز المخصّص لذلك، وإعطائها جرعة زائدة من المخدّر (مادتي البروبوفول والمورفين)، والتمنّع عن مراقبة البول طوال فترة العملية التي استمرّت لأكثر من ثلاث ساعات، وكذلك في مرحلة الإنعاش، من دون اتخاذ أي إجراء طبي لمعالجة الضرر الكلوي الحاصل.
محاولات تعمية الحقيقة
هذه الملاحظات الطبيّة توزّع المسؤولية على المستشفى، والطبيب الجرّاح (ن. د.)، ومعاونته (ر. م.)، وطبيب الأطفال في المستشفى (ر. ص.) وطبيب التخدير (ز. ف.)، وهي لم ترد في تقرير «لجنة التحقيقات المهنية» النهائي، التي ترأستها كلود سمعان والموقّع من نقيب الأطباء ريمون الصايغ.
تُتّهم لجنة التحقيقات المهنية بأنها وضعت تقريراً رمادياً، إذ اكتفى بالإشارة إلى 6 أخطاء يتحمّل مسؤوليتها طبيب التخدير، وخلص إلى 5 احتمالات للضرر الدماغي والكلوي، أوّلها خطأ طبيب التخدير نفسه، الذي أعطى الطفلة الحديثة الولادة جرعة من البنج زائدة خمس مرّات، من دون مراقبة ضغطها الذي وصل إلى معدّل وسطي 16 ملم زئبق، وأدّى إلى الضرر الحاصل. الاحتمال الثاني أن الضرر سببه الولادة المبكرة. والثالث أنه ناجم عن تشوّهات خلقيّة. والرابع أنه بسبب خلل جيني. (علماً بأن هذه النظريات الثلاث الأخيرة تدحضها صورة الرنين المغناطيسي التي أجريت للطفلة قبل العمليّة، ويؤكّد تقرير الجامعة الأميركيّة المرفق بها أن دماغها كان طبيعياً قبل العملية). أمّا الاحتمال الخامس للضرر الحاصل فأعيد إلى إمكانية تعرّض الطفلة لارتداد معوي متكرّر في عمر التسعة أشهر (علماً بأن تقرير مستشفى الروم يجزم بأن صوفي لا تعاني من ارتداد معوي، وأن دخولها إلى المستشفى في عمر التسعة أشهر كان بسبب عدوى فيروسيّة في الرئة، كذلك فإن الضرر كان حاصلاً وواضحاً منذ كان عمرها شهراً واحداً، أي بُعيد خضوعها للعمليّة).
شكوى على النقيب ورئيسة لجنة التحقيقات
تقرير «لجنة التخدير والإنعاش»، الذي حصلت عليه العائلة، سيكون موضوع دعوى قضائيّة يُعِدّها فوزي مشلب، والد الطفلة، ضدّ كلّ من رئيسة لجنة التحقيقات المهنيّة ونقيب الأطباء، بتهمة التزوير وإعطاء شهادة كاذبة، مطالباً باستقالة المشرفين على التحقيقات ونقيب الأطباء، لكون النظام الذي يرعى التحقيقات يميّع الحقائق، ويطيل أمد الإجراءات القضائية عمداً، ويغش القضاء لفرض حماية إلزاميّة يستفيد منها الأطباء.
جرى إهمال تقرير «لجنة التخدير والإنعاش» على الرغم من أنه الأهمّ في ملف الطفلة
يقول مشلب إنه أرسل كتاباً إلى النقابة لإعطائه التقرير «دون نتيجة». ويضيف: «خلال التحقيقات، كانت واضحة المحاولات الحثيثة لتبرئة الجرّاح، وغشّ اللجان الاستشارية في النقابة، إذ أخفت سمعان صور الرنين المغناطيسي التي أجريت لصوفي قبل العملية وبعدها، والتي تؤكّد أن دماغها كان طبيعياً وصحياً قبل العملية، وأن الضرر سببه انخفاض الضغط خلال العمليّة. كذلك لم تعرض حقائق الملف على اللجان المشاركة في التحقيقات، وحاولت إيهامهم بأن صوفي ولدت بضرر دماغي سابق للعمليّة حيناً، وحيناً آخر بسبب دخولها المستشفى في سن التسعة أشهر للعلاج من التهاب رئوي. كذلك لجأت إلى نظرية الخلل الجيني لتجنيب الأطباء تحمّل أيّ مسؤوليّة، علماً بأننا قدّمنا كتباً عدّة مسجّلة في قلم النقابة لإجراء تحليل جيني دون نتيجة».
من جهته، يختصر نقيب الأطباء ريمون الصايغ المسألة بأن «الملف أحيل إلى القضاء، وتالياً لا يمكن لنا التصرف بأي مستند من دون إذن القاضي. نحن لم نرفض إعطاء التقرير، بل طلبنا من المدّعي طلبه عبر القضاء. الموضوع تقني بحت، ولا يعبّر عن نيّة لإخفاء أيّ مستند». ورداً على محاولة تضليل الحقيقة، ينفي الصايغ «تجاهل أيّ معطى في التقرير النهائي، كون هذا الأخير لا يستعرض كلّ التفاصيل التقنيّة التي رست عليها التحقيقات».
يقول والد الطفلة إن «الآمال الآن معقودة على القضاء الذي وضع يده على الملف لإصدار العقوبات المسلكية والقانونيّة المناسبة، وعلى وزير الصحة الذي وعد في إحدى مقابلاته باتخاذ الإجراءات العقابية تجاه أي مستشفى يثبت تقصيره وإهماله وأخطاؤه، بدءاً من وقف التعامل وصولاً إلى سحب الترخيص».
سلسلة من الأخطاء
بحسب رواية الأهل المستمدة من تقارير استشارية حصلوا عليها من مستشفى في الخارج، فإن الطفلة صوفي مشلب كانت قبل العملية في حالة تمنع إجراء أيّ عملية، إلا أن الأطباء قرروا إجراء عملية غير طارئة من دون موافقة الأهل، وتسبّبوا في ما لا يقل عن 5 أخطاء في خلالها. وتواصلت الأخطاء بعد العملية، إذ وصلت الطفلة إلى غرفة الإنعاش بمستوى ضغط 29/11 (معدّل وسطي 16 ملم/ زئبق)، ما يعني أن الطفلة كانت في حالة صدمة حادّة تؤدّي علمياً إلى ضرر كلوي ودماغي، ولم يكن موجوداً أيّ من الأطباء لإسعافها.