كاميرات مراقبة وهمية.. وأخرى حقيقية مخفية مرفوعة في الحي لا تعلمها الدولة.. وضعها نوح زعيتر وسجل هدف في مرمى الأمن!
يُمارس المطلوب، نوح زعيتر، لعبة القط والفأر في تعمله مع الدولة اللّبنانيّة، التي تجهد – كما يقال – سعياً وراء إلقاء القبض عليه. الرجل الذي يصنّف على أنّه المطلوب الأوّل لبنانياً في الملفات المتعلّقة بالمخدّرات، استطاع طيلة فترة ظهوره من أنْ يكوّن هالةً حول نفسه حمته في كثيرٍ من الاماكن. في الوقت نفسه نجح بنيل ومراكمة تعاطف شعبي في منطقة تصنّف محرومة، فأضحى الشاب قوي البنية ذو الشعر الطويل، بمثابة “روبن هود” بالنسبة إلى أبناء البقاع، ويكاد لا يطرق أحدهم بابه إلّا وساعده، مما جعله يتفّوق في الشعبيّة حتّى على نوّاب المنطقة أنفسهم!
تجارة “زعيتر” غير الشرعية وانشطاره في “الكار” إلى أبعد من حدود البقاع، أسهم في وضعه على رأس اهتمامات كلّ الأجهزة الأمنيّة، التي تجد فيه “صيداً ثميناً” تتنافس على الظفر به كأفضل غنيمة ممكنة. في شهر آذار المنصرم، أُطلقت خطّة أمنيّة في البقاع. منتصف ذلك الشهر، شهدت شوارع بعلبك استنفاراً وانتشاراً عسكريين شديدين، ترافق ذلك مع مداهمات وملاحقات واعتقالات، أتت تزامناً مع أخرى كانت تدور رحالها في الضاحية الجنوبية لبيروت، فخيّل للمتابعين أنَّ قرار إنهاء مظاهر التفلّت اتّخذ ونال الغطاء اللّازم.
بينما كان الجميع يراقب مظاهر “فائض الأمن”، كان هناك من يعدّ العدّة لاستغلال حالة الإرباك التي بحثت عن تأمين صيدٍ كبير يعمّد الخطّة التي أطلقت. قبل بدء سريان مفعول الخطّة الامنية، تواردت معلوماتٍ حول إمكانيّة زيارة “نوح زعيتر” لمنزله في حي الشراونه، الذي لا يحضره إلّا فيما نذر، فتأهب العسكر لمراقبة الطرقات.
يتّسم الشراونه – وهو حي ذائع السيط – بانتشارٍ كثيفٍ للمجموعات العائلية المسلحة كذلك بكاميرات المراقبة التي يردّد أنَّ التّجار و “زعيتر” هم من وضعوها لتوفير حماية لأنفسهم وأمنهم. استطاع أحد الأجهزة الأمنيّة الولوج إلى الكاميرات وتعطيلها، بغية تأمين غطاء للتحرك الذي كان يُعد له داخل الحيّ واعطائه طابعاً أمنيّاً، وإنجاز عملية اعتقال نظيفة لنوح زعيتر. صباح يوم الاثنين 20 آذار، تحضّر عناصر من الجهاز الامني للدخول إلى منزل “أبو علي” بعد ورود معلومات عن وصوله اليه. تحرّكت سيارات رباعيّة الدفع داكنة الزجاج ودخلت إلى الشراونه ووصلت إلى منزل “زعيتر” فدخلته دون أي اشتباك ودون أنّ تعثر عليه. وكي لا تخرج خالية الوفاض قامت بعملية بحثٍ وتفتيش في المنزل الذي بدا خالياً الا من ذخيرة وملابس عسكريّة.
الصدمة، وفق معلومات “ليبانون ديبايت”، توزعت على مراحل، بدايتها ارتبطت بكيفية اختفاء “نوح زعيتر” الذي تأكّد وجوده في الحي إنْ لم نقل في المنزل، وكيف خرج دون أنْ يدري أحد أو دون أن يُرصَد حتّى. ما قاد الى الصدمة الثانية اكتشاف أنَّ “زعيتر” كان قد رصد دورية الجهاز الأمني القادمة لاعتقاله قبل أن تصل إليه، وذلك من خلال كاميرات مراقبة ، مسجلاً في مرمى الأمن هدفاً، لكن الصدمة الثالثة سجّلت أنَّ الكاميرات التي قام الجهاز الأمني بتعطيلها، لم تكن سوى كاميرات وهمية لا دور لها سوى تضييع وإرباك الجهات الأمنيّة، وكانت أقرب إلى “فخ” منه إلى كاميرات، ليظهر أنّ “زعيتر” كان متقدماً بخطوة على رقعة الشطارنج.
على كل الأحوال، خمس دقائق فقط فصلت “نوح زعيتر” عن وصول الدوريّة الأمنية واعتقاله. الذي أنقذه هو دقّة ملاحظته الأمنيّة، والكاميرات المخفيّة التي أتاحة له مجالاً لرؤية ما كان يجري الإعداد له. منذ ذلك التاريخ، لم يزر “أبو علي” منزله في الشراونة، الذي بات بالنسبة إليه “مكاناً خطراً”، ومن وقتها سرى اعتقاد أنَّ الخطّة الأمنيّة لم يكن هدفها سوى اعتقال “أبو علي” وانتهت بفشلها في توقيفه.