نصر الجرود يكتمل بنصر من الداخل
عند الخامسة من فجر يوم السبت الماضي في 19 آب أعلن قائد الجيش العماد جوزف عون إطلاق معركة “فجر الجرود. بعد دقائق قليلة كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في وزارة الدفاع لمواكبة تفاصيل المعركة وخاطب قائد المعركة والعسكريين، داعمًا ومشجعًّا ومنتظرًا النصر على ايديهم وتحرير الأرض وطرد الإرهابيين، وهو نصر آت لا محال.
وفي اليوم التالي، وبعد سقوط عدد من الجرحى في صفوف أبطال الجيش، كان إلى جانبهم في المستشفيات، مطمئنًا ومبلسًا للجروح.
منذ يومين صعد الرئيس إلى القصر الرئاسي في بيت الدين وترأس جلسة مجلس الوزراء وتفقد أرجاء القصر.
وبالأمس كانت له زيارة لمنطقة البترون، وكان له فيها أكثر من نشاط.
ومنذ ما يقارب الأسبوعين إستقّل مروحية متفقدّا عددًا من السدود ومطلعًا على سير العمل فيها.
صحيح أن الرئيس ليس إبن البارحة. وصحيح أنه تخطَّىّ عتبة الثمانين، ولكن ما هو صحيح أيضًا أن ما يقوم به من نشاط لم يسبقه إليه مَن كان أصغر منه سّنًا. فه يتابع كل التفاصيل ويلاحق ما هو عالق منها. يلحّ ويصرّ على من حوله ويطلب أن تكون كل الإعمال منجزة في الأوقات المحدّدة لها. لا تهاون ولا إسترخاء. بل عمل متواصل على رغم نصيحة الأطباء بالتقليل من النشاط الزائد.
ما قبل معركة الجرود وبزوغ فجرها زاده الحديث عنها حماسة، وهو الذي عاد به الزمن إلى الوراء نحو ثلاثين سنة، يوم كان قائدًا للجيش نفسه الذي يخوض اليوم أشرس المعارك لتحرير الأرض من الإرهاب، وقبلها يوم كان قائدًا للواء الثامن.
هذه الحماسة أعادت إلى الرئيس حيويته وبدأ عهدًا أعاقت إنطلاقته ظروف سياسية معينة هي في طريقها إلى التلاشي، مع أنه يُسجّل له إقرار قانون جديد للإنتخابات على رغم ما يشوبه من ثغرات، وكذلك إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب على رغم أيضًا ما في قانون الضرائب ما شوائب مطلوب التراجع عنها.
إلاّ أن ما كان يطمح إليه المواطنون من تغيير وإصلاح لا يزال دون مستوى الأحلام والتطلعات، خصوصًا في ما خصّ مشاريع الكهرباء، وإن أعيد دفتر الشروط من جديد إلى دائرة المناقصات، وما له علاقة بحياة الناس اليومية وتسهيل أمورهم، من طبابة مجانية ومدارس رسمية لائقة وإعادة الثقة بالقضاء والتشريعات المحفزّة للإستثمار وخلق فرص عمل جديدة لأعداد كبيرة من المتخرجين الجامعيين، الذين نراهم مصطّفّين بالطوابير أمام السفارات للحصول على “فيزا” تفتح لهم آفاق المستقبل خارج وطنهم.
ما يقوله بعض الذين يعارضون سياسة الحكومة، مع التمييز بينها وبين العهد، ليس سوى تعبير حضاري لما يمكن تصويبه من أداء ولما يهدف إلى تقديم الأفضل للمواطن المتعطش إلى سلطة تخفّف عن كاهله ما تتسبب به بعض السياسات الخارجة عن إطار ما له علاقة بالمصلحة العامة.
وعلى رغم كل المآخذ على أداء الحكومة وما فيه شوائب يبقى الأمل في أن تعكس إرادة رئيس الجمهورية مشاريع مثمرة تطال فوائدها جميع المناطق اللبنانية، والخروج من دائرة الحركة الضيقة المحصورة ببعض المستفيدين، وأن تُترجم الحيوية الرئاسية على أرض الواقع بعيدًا عن منطق المحاصصة والإستئثار بالسلطة الإقصائية.
فمعركة الجرود آيلة حتمًا إلى النصر، ومعه مأمول أن يُمسك أمن البلد بيد من حديد. فلا يعود المواطن، الذي لا يريد سوى “السترة”، فشة خلق الزعران والذين يطيحون بالقوانين ويضربون بها عرض الحائط والذين يستبيحون كرامات الناس.
ومع هذا النصر الآتي من “فجر الجرود” يؤمل أن يكون مصير كل من تسّول له نفسه اللعب على وتر الأمن والإستقرار السجن والقصاص.
ومع هذا النصر يُفترض ويؤمل ألاّ يكون للقوى الشرعية شريك آخر، لا في القرار أو المشورة ولا في التنفيذ.