الحريري “يبقّ البحصة”.. ونقطة التحول ستبدأ الخميس، فماذا حصل؟!
كتب طوني عيسى في صحيفة الجمهورية : لم يكن منتظراً أن يخرق الرئيس سعد الحريري سقفَ العلاقة مع رفاقه المفترَضين أو السابقين في 14 آذار، ويتوعَّدهم بـ”بقّ البحصة” أمام الناس، ويصرّ على أنها “بحصة كبيرة”. فالاتّصالات كانت دائرة بينه وبين “القوات اللبنانية”، على مستوى الوزراء. ولكن، يبدو أنّ هناك أمراً ما في الأفق، وسينجلي شيئاً فشيئاً.
بقي الحريري يلتزم التحفّظَ في مواجهة “الرفاق”. لم يرغب في “كسر الجرّة” مع الذين تقاسم معهم الخبزَ والملح، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجميع الرفاق الآخرين من تيار “المستقبل” ومن الأحزاب التي يقول الحريري اليوم إنها “خانته”.
ولو كان الحريري متحمِّساً فعلاً لـ”بقّ البحصة الكبيرة”، لفعَلها وهو في ذروة انفعاله، بعد عودته من الرياض، ولم ينتظر.
ما أعلنه الحريري الإثنين، أمام الوفود البيروتية، يشكل تحوُّلاً سياسياً بكل المقاييس:
1- على مستوى العلاقة بالمملكة العربية السعودية، يكشف الحريري بكلامه، للمرة الأولى، بعضاً من طبيعة الأزمة التي تعرّض لها في الرياض. فقولُه إنّ هناك أحزاباً لبنانية “خانَته” واستغلّت العلاقة بالسعودية، يُبطن القول إنّ الرجل تعرَّض في السعودية لـ”خيانة” محلّية. وتالياً، هو يعترف في شكل غير مباشر بأنّ “استقالته” المعلنة في الفيديو لم تكن “حقيقية”، وأنها ليست نابعةً عن قرارٍ منه، وأنه كان مجبَراً على تلاوتها. وهذا الانطباع حاول الحريري إبعاده دائماً منعاً لإحراج نفسه والسعوديين في آن معاً.
واستطراداً، هو بكلامه يبرِّر “الملاقاة العاطفية” التي تمّ تحضيرُها له في بيروت، من جهة المقرّبين، مرفقة بعبارة “الحمدلله على السلامة”. فأيُّ “سلامة” هي المقصودة هنا. وهذا الكلام، إذا قاله الحريري، سيعني أنّ “الهامش السعودي” بات مُتاحاً له للبوح ببعض الأمور عن طبيعة الأزمة التي عاشها في الرياض. فهل اتّسع “الهامش السعودي” إلى هذا الحدّ للحريري، وتحت أيِّ ظروف؟
2- على مستوى 14 آذار والقوى الحليفة سابقاً، لا يبدو الحريري في صدد المهادنة معها أو إبقاء “شعرة معاوية”. فحجمُ الكلام المستخدَم ضدّها لا يتحمّل التراجع، خصوصاً لجهة تظهير مشاعر الخيبة من “أكبر عملية احتيال” مارسها هؤلاء بهجومهم الظاهري على “حزب الله” فيما المطلوب هو استهداف الحريري، كما قال، وبالادّعاء أنهم يتابعون مسيرة الرئيس رفيق الحريري. ويعني ذلك أنّ القشرةَ الرقيقة التي كانت باقيةً بين الحريري وأركان 14 آذار الآخرين قد تفكّكت كلياً.
3- على المستوى السياسي الداخلي، يعلن الحريري بكلامِه الاتّجاه إلى تكريس معادلة جديدة ستؤسس للسلطة على امتداد عهد الرئيس ميشال عون، وربما إلى ما بعده، من خلال الإعلان عن انطلاق التحضيرات للانتخابات النيابية. فخصومةُ الحريري مع قوى 14 آذار (وهي مسيحية تحديداً)، ستضعه في الحلف الخماسي الذي باتت ملامحُه واضحة، (“حزب الله”- بري- الحريري- “التيار الوطني الحر”- جنبلاط).
وفي الانتخابات النيابية، سيعني ذلك انتصاراً كاسحاً للقوى الحليفة لـ”حزب الله”، مع بعض التنويع الذي لا تأثيرَ له على الاتّجاهات السياسية داخل المجلس النيابي. وكذلك، فالحكومةُ المقبلة ستكون حريرية الرأس، ولكنّ فريق 8 آذار سيقودها.
(طوني عيسى – الجمهورية)