الحكومة في خطر!
في وقتٍ تقرع طبول الفرح لتستقبل الاعياد ثمة طبول يدق عليها وتسمع اصواتها في الصالونات السياسية تميل إلى الحرب منها إلى السلم، لا تنم عن فرحٍ ابداً بل غضب سادَ من جراء أزمة مرسوم دورة 94 الغير قابلة للعلاج حتى الساعة.
إذاً هي طبول “مشاكل” مرشّحة للتفاقم قابلة للتمدّد على بساط المؤسّسات وبخاصة الحكومة المهيّئة للتحول إلى حلبة مصارعة يتبادل فيها الملاكمون من الفريقين المتنازعين اللكمات من تحت الحزام وفوقه فور دقّ الجرس إيذاناً بنهاية “الفرصة”.
لغاية الساعة، لا يزال الرئيس ميشال عون مصرّ على المرسوم، وفريقه وزّع في الساعات الماضية أنّه باتَ مرسوماً نافذاً قابلاً للتطبيق. الرئيس نبيه بري ينظر إليه على أنّه فاقدٌ للميثاق لذا هو غير موجود في قاموسه، وجلَّ اهتمامه منصبٌ على تقبّل التّعازي بالمادة 54 من الدستور، أمّا الوزير المعني الاوّل بالمشكّل فكان يطوف خارجَ البلاد والمعركة حامية!
ومع عودة الوزير علي حسن خليل من عطلته الخارجيّة، يسود الظنّ أنَّ المعركة قابلة للتطوّر خاصةً مع بلوغ الوساطات مرحلة الجمود، علماً أنَّ حزب الله أعادَ تفعيل مسعاه بقوّة في الساعات الماضية داخلاً على خط الرئيسين بعصا سحريّة يملكها مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا.
وفيما فضّلت مصادر “الحزب” الصمت وعدم التعليق، عُلمّ أنَّ الحراك المستجد يقوم على محاولة اجتراح حلّ يوائم بين مطالب الرئيسين وفق آلية “منطقيّة في التفسير الدستوري” دون المس بصلاحيات عون أو مطالب بري، لكن السؤال يبقى حول مدى قدرة حزب الله على الموائمة بين حليفيه المتقاتلين وهل يقدر على الاستمرار بالحياد بينهما؟
الصمت انسحبَ على الرئيس سعد الحريري بعدما ضمّهُ إلى قائمة السكوت خاصته. رئيس مجلس الوزراء يقف وسط زميليه يتفتّل يميناً ويساراً ضائع في الخيارات، ويجرّ أذيال الحسرة خلفه.
لا أحد يحسد الحريري على ما هو فيه، فالرجل يلوذ بالصمت غير قادر على ابداء رأي خشية زعل أحد حليفيه، وبات كـ”الضرة” المحرجة من زواجها وعائلته والحاضرين.
وبينما هو كذلك، تتسلّل إلى مجلسه الوزاري نذر أزمات قد تحّول الجلسات إلى حلبة ملاكمة يقتصر دوره فيها على حكمٍ منزوع القدرات التحكيمية.
أولى هذه الازمات جرى نزع الوشاح عنها ليتبين أنَّ الضيحة ليست إلّا “لجنة تطبيق قانون الانتخاب” التي عدل الرئيس الحريري عن الدعوة لالتئامها “مبدئياً” كونه لا يريد تحويلها إلى “كسّارة تفتت البحص والصخر”، ومبعث قراره مسنود على نصائح سمعها من مستشاريه تحثه لصرف النظر عن توجيه هذه الدعوة بعدما كان بنيته عقد الاجتماع في اليومين القادمين.
لكن فرار الحريري من المشكل لن يدوم طويلاً، إذ في بال عين التينة أنَّ الرد على استمرار التمسك بالمرسوم “الغير ميثاقي والغير متوازن” سيكون صاعقاً، وأولى بوادره الانقلاب على مسألة تمديد فترة تسجيل المغتربين للانتخابات النيابية بعدما لم يبدِ ممثل “أمل” في اجتماع “اللجنة” الاخير أي معارضة تذكر.
وتواتر لـ”ليبانون ديبايت”، أنَّ خيار “أمل” الاعتراض على اقتراح وزير الخارجية جبران باسيل تمديد مهلة تسجيل المغتربين في اللجنة وضم الاعتراض إلى جلسة مجلس الوزراء في حال طرح هذا البند، وهنا مبعث الحريري من تأجيل اجتماع اللجنة الدال على خوفٍ مبطّن من مسار الامور، وهو قرار قد ينسحب على مجلس الوزراء أيضاً في حال بقي تبادل شد الحبال على هذا القدر من القساوة.
وعملياً، يقول مراقبون أنَّ الازمة الحالية وفي حال طال امدها، ستؤثر بشكلٍ سلبي على المراسيم الاجرائيّة المتّصلة بالانتخابات النيابيّة، لكون هناك مساءل لا بدَ من البت بها قبل موعد الاستحقاق، وسيحاول “الولاة” نأيها عن الاشتباك الحاصل كي لا تطالها الشظايا، علماً أنَّ مثل هذا الامر غير مضمون.
بالعودة إلى الازمة، فقد لقي اقحام الرئيس نبيه بري لوزير الداخليّة نهاد المشنوق في أزمة “المرسوم” استفسارات خاصة لناحية ما تضمّنه حديثه من غمزة حول “ضباط قوى الأمن الداخلي من خرّيجي دورة 1994” ومعضلة عدم شملهم بالمرسوم.
وعلم “ليبانون ديبايت” أنَّ الضباط الذين قصدهم الرئيس برّي يتوزعون وفق التالي:
– قوى الامن الداخلي: 99 ضابطاً
– المديرية العامة لأمن الدولة: 9 ضباط
– المديرية العامة للأمن العام: 4 ضباط
وعليه يصبح عدد الضبّاط 112 ضابطاً غير مشمولين بالمرسوم موضع الخلاف. وهنا لا بدَّ من السؤال عن مصيرهم بضوء العراك الحاصل.
وتوضح مصادر متابعة، أنَّ غبناً يطال هؤلاء الضبّاط خاصة ضبّاط قوى الأمن الداخلي من خريجي دورة 1994 الذين طوّعوا بقانون خاص. هؤلاء أنهوا دراستهم في الجامعة اللبنانية مدّة أربعة سنوات ثمَّ خضعوا لدورة في المدرسة الحرّبيّة مدّتها سنة واحدة وتخرّجوا بعدها برتّبة ملازم، ليصبح مجموع تحصيلهم 5 سنوات، في حين يخضع تلامذة الضباط لثلاث سنوات دراسة فقط!
ولكون رئيس الجمهوريّة تحدّث عن استعادة الحقوق، تسأل المصادر: “أين هؤلاء الضبّاط من المرسوم ومبدأ المساواة، وهل هناك من يتحمّل مسؤوليّة عدم مساواتهم مع رفاقهم، أو بمقدوره أن يمنع اعتراضهم عن حقوق حُجبت عنهم، ولم يعاملون بمثل نظرائهم في نفس الدورة ومن نفس العام؟”
ما يتم استخلاصه، هو أنَّ ازمة المرسوم حمّالة أوجه وتفرّخ في كل يوم أزمة جديدة، ومع توالي الايام دون اجتراح حل يضع المشكلة اوزارها، قد تصبح المشاكل متراكمة لنغدو في أزمة أكبر وأخطر وأشد عمقاً من السائدة.
ما لا يعيره السياسيون اهتماماً، هو أن ازماتهم السياسيّة تعود بالضرر على صف الضبّاط الذين تتسلّل اليهم الطفيليات المسبّبة للخلافات.
(موقع جبل عامل)